تَحْرِيمُ النِّكَاحِ وَجَوَازُ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ، وَالْمُسَافَرَةِ، وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ.
أَمَّا تَحْرِيمُ النِّكَاحِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَّا الْمَلَائِكَةُ، وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ، فَلَيْسَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَأُخْتُ الزَّوْجَةِ، وَعَمَّتُهَا، وَخَالَتُهَا: تَحِلّ بِمُفَارَقَتِهَا، وَالْأَمَةُ: تَحِلُّ إذَا عَتَقَتْ، أَوْ أُعْسِرَ. وَالْمَجُوسِيَّةُ: تَحِلُّ إذَا أَسْلَمَتْ. وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا: تَحِلُّ إذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ.
وَأَمَّا جَوَازُ النَّظَرِ فَهَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا: الْجَوَازَ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ: فِيهِ نَظَرٌ وَصَحَّحَ فِي مَجْمُوعٍ لَهُ عَلَى الْمُهَذَّبِ: التَّحْرِيمَ. وَبَالَغَ فِيهِ، وَعِبَارَتُهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى. وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَشْهُورٌ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ تَصْحِيحُهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا. لِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْن الشَّخْصَيْنِ لَمْ تُخْلَقْ بَيْنهمَا شَهْوَةٌ، كَالْأَخِ، وَالْأُخْتِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا الْعَبْدُ، وَسَيِّدَتُهُ: فَشَخْصَانِ خُلِقَتْ بَيْنهمَا الشَّهْوَةُ. قَالَ: وَأَمَّا الْآيَةُ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: ٣١] فَقَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيهَا: الْمُرَادُ بِهَا: الْإِمَاءُ دُون الْعَبِيدِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ: وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ، وَقَدْ وَهَبَهُ لَهَا، وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا، لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ، وَغُلَامُكِ» فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْغُلَامُ صَغِيرًا.
قَالَ: وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هُوَ الصَّوَابُ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ بَلْ يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَيْف يُفْتَح هَذَا الْبَابُ لِلنِّسْوَةِ الْفَاسِقَاتِ؟ مَعَ حِسَانِ الْمَمَالِيكِ، الَّذِينَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ الْفِسْقُ، بَلْ الْعَدَالَةُ فِيهِمْ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ؟ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ الْإِنْسَانُ الْإِفْتَاءَ بِأَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ يَبِيتُ وَيَقِيلُ مَعَ سَيِّدَتِهِ، مُكَرِّرًا ذَلِكَ، مَعَ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي الدِّينِ؟
وَكُلّ مُنْصِفٍ يَقْطَعُ بِأَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تَسْتَقْبِحُ هَذَا وَتُحَرِّمُهُ أَشَدَّ تَحْرِيمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute