فِيهِ فُرُوعٌ:
الْأَوَّلُ: الرِّوَايَةُ، فَإِذَا كَتَبَ الشَّيْخُ بِالْحَدِيثِ إلَى حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ أَمَرَ مَنْ كَتَبَ فَإِنْ قَرَنَ بِذَلِكَ إجَازَةً ; جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالرِّوَايَةُ قَطْعًا ; وَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ الْإِجَازَةِ فَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ. وَيَكْفِي مَعْرِفَةُ خَطِّ الْكَاتِبِ وَعَدَالَتِهِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ وَالْمِنْهَاجِ وَالْمُحَرَّرِ، جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطٍّ مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ.
الثَّالِثُ: يَجُوزُ اعْتِمَادُ الرَّاوِي عَلَى سَمَاعِ جُزْءٍ وَجَدَ اسْمَهُ مَكْتُوبًا فِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ إذَا ظَنَّ ذَلِكَ بِالْمُعَاصَرَةِ وَاللُّقِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
الرَّابِعُ: عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ وَنِسْبَةِ مَا فِيهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: فَإِنْ وَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: قَالَ فُلَانٌ وَإِلَّا فَلَا يَأْتِي بِصِيغَةِ الْجَزْمِ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي جُزْءٍ لَهُ: حَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ السَّنَدِ إلَى مُصَنِّفِيهَا وَقَالَ: إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، مَنْ وَجَدَ حَدِيثًا فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ وَيَحْتَجَّ بِهِ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ وَهَذَا غَلَطٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى كُتُبِ الْفِقْهِ الصَّحِيحَةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْعَصْرِ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهَا ; لِأَنَّ الثِّقَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِهَا كَمَا تَحْصُلُ بِالرِّوَايَةِ، وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَ النَّاسُ عَلَى الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي النَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَالطِّبِّ وَسَائِرِ الْعُلُومِ لِحُصُولِ الثِّقَةِ بِهَا وَبُعْدِ التَّدْلِيسِ.
وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْخَطَإِ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْخَطَأِ مِنْهُمْ: وَلَوْلَا جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى ذَلِكَ لَتَعَطَّلَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا وَقَدْ رَجَعَ الشَّارِعُ إلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ فِي صُوَرٍ. وَلَيْسَتْ كُتُبُهُمْ مَأْخُوذَةً فِي الْأَصْلِ إلَّا عَنْ قَوْمٍ كُفَّارٍ. وَلَكِنْ لَمَّا بَعُدَ التَّدْلِيسُ فِيهَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهَا، كَمَا اُعْتُمِدَ فِي اللُّغَةِ عَلَى أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَهُمْ كُفَّارٌ لِبُعْدِ التَّدْلِيسِ، انْتَهَى.
الْخَامِسُ: إذَا وَلَّى الْإِمَامُ رَجُلًا كَتَبَ لَهُ عَهْدًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاسَ طَاعَتُهُ وَيَجُوزُ لَهُمْ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْكِتَابِ؟ خِلَافٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute