نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلنَا ... تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلُوا
وَأَكْثَر مَا عِنْد هَذِهِ الْفِرْقَة: أَنْ تَزْدَرِي بِالشَّبَابِ، وَبِالشَّيْخُوخَةِ افْتِخَارهَا، وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْك عَارُهَا، وَلَوْ أَنْصَفَتْ لَعَرَفَتْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سِمَات الْمَدْح، لَا مِنْ وَصَمَات الْقَدْح، وَكَفَى بِالرَّدِّ عَلَيْهَا عِنْد أُولِي الْأَلْبَاب مَا وَرَدَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا «مَا أُوتِيَ عَالِمٌ عِلْمًا إلَّا وَهُوَ شَابٌّ» .
وَفِرْقَة: غَلَبَ عَلَيْهَا الْجَهْل الْمُرَكَّب، وَبَعُدَ عَنْهَا طَرِيق الْخَيْر وَتَنَكَّبَ، لَا تَبْرَح جِدَالًا وَلَا تَعِي مَقَالًا، وَلَا تُحْسِن جَوَابًا وَلَا سُؤَالًا، لَيْسَ لَهَا دَأْب إلَّا أَكْل الْحَرَام، وَالْخَوْض فِي أَعْرَاض الْأَنَام، وَغَمْص النَّاس نَهَارَا، وَبِاللَّيْلِ نِيَام، فَهَذِهِ لَا تَصْلُح لِخِطَابٍ وَلَا تَأَهَّلَ إذَا غَابَتْ لَأَنْ تُعَاب وَالسَّلَام.
وَفِرْقَة آتَاهَا اللَّه هُدَاهَا، وَأَلْهَمهَا تَقْوَاهَا، وَزَكَّاهَا مَوْلَاهَا، فَرَأَتْ مَحَاسِنه وَسَنَاهَا، وَفَوَائِده الَّتِي لَا تَتَنَاهَى، فَاعْتَرَفَتْ بِشُكْرِهَا وَثَنَاهَا، وَاغْتَرَفَتْ مَنْ بَحْرهَا وَلَمْ يَلْوِهَا عَذْلُ عَاذِلٍ وَلَا ثَنَاهَا، وَارْتَشَفَتْ مِنْ كُؤُوس حُمَّيَاهَا، وَانْتَشَقَتْ مِنْ، شَذَا عَرْفِ رَيَّاهَا، وَهَذِهِ طَائِفَة لَا تَكَاد تَرَاهَا، وَلَا نَسْمَع بِخَبَرِهَا فَوْق الْأَرْض وَثَرَاهَا، فَحَيَّاهَا اللَّه وَبَيَّاهَا، وَأَمْطَرَ عَلَيْنَا سَحَائِب فَضْله وَإِيَّاهَا.
فَصْل اعْلَمْ أَنَّ فَنّ الْأَشْبَاه وَالنَّظَائِر فَنّ عَظِيم، بِهِ يُطَّلَع عَلَى حَقَائِق الْفِقْه وَمَدَارِكه، وَمَآخِذه وَأَسْرَاره، وَيُتَمَهَّر فِي فَهْمه وَاسْتِحْضَاره، وَيُقْتَدَر عَلَى الْإِلْحَاق وَالتَّخْرِيج، وَمَعْرِفَة أَحْكَام الْمَسَائِل الَّتِي لَيْسَتْ بِمَسْطُورَةٍ، وَالْحَوَادِث وَالْوَقَائِع الَّتِي لَا تَنْقَضِي عَلَى مَمَرّ الزَّمَان، وَلِهَذَا قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: الْفِقْه مَعْرِفَة النَّظَائِر.
وَقَدْ وَجَدْت لِذَلِكَ أَصْلًا مِنْ كَلَام عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَنَا شَيْخنَا الْإِمَام تَقِيُّ الدِّينِ الشُّمُنِّيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَخْبَرْنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ (ح) وَكَتَبَ إلَيَّ عَالِيًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُقْبِلٍ الْحَلَبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحِرَّاوِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ (ح) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ:
وَأَنْبَأَنَا عَالِيًا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُقَيِّرِ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ إجَازَة، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنُ بْنُ الْمُهْتَدِي بِاَللَّهِ قَالَا: أَنْبَأَنَا الْإِمَام أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّعْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا، عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute