قُلْت: وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. انْعَقَدَ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَمْ لَا فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِيهِ؟ فَقَالَ: الْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُؤَثِّرُ فِي النُّطْقِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي النِّيَّاتِ، وَالْعِتْقُ يَنْعَقِدُ بِالنُّطْقِ، فَلِذَلِكَ أَثَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ، وَالْإِحْرَامُ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، فَلَمْ يُؤَثِّر الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَوَى الطَّلَاقَ أَثَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ؟ فَقَالَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ كَالصَّرِيحِ فَلِهَذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، إنْ نَوَى التَّبَرُّكَ، انْعَقَدَ وَإِلَّا فَلَا.
وَمِنْ صُوَرِ التَّعْلِيقِ فِي الْحَجِّ: لَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ شَاكّ، فَقَالَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِحْرَامِي بِعُمْرَةٍ، أَوْ مِنْ شَوَّالٍ فَحَجٌّ فَكَانَ شَوَّالًا، كَانَ حَجًّا صَحِيحًا، نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الدَّارِمِيِّ، وَأَقَرَّهُ.
وَنَظِيرُهُ فِي الطَّهَارَة: إنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ، فَنَوَى الْوُضُوء إنْ كَانَ مُحْدِثًا، وَإِلَّا فَتَجْدِيدٌ صَحَّ، نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَأَقَرَّهُ، أَوْ يَنْوِي بِوُضُوئِهِ الْقِرَاءَةَ إنْ صَحَّ الْوُضُوءُ لَهَا، وَإِلَّا فَالصَّلَاةَ. صَحَّ، نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَحْرِ.
وَفِي الصَّلَاةِ: شَكَّ فِي قَصْرِ إمَامِهِ، فَقَالَ: إنْ قَصَرَ قَصَرْت، وَإِلَّا أَتْمَمْت، فَبَانَ قَاصِرًا قَصَرَ، جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ، أَوْ شُهَدَاءُ بِغَيْرِهِمْ: صَلَّى عَلَى كُلّ وَاحِدٍ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، إنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ شَهِيدٍ.
عَلَيْهِ فَائِتَةٌ، وَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَقَالَ: أُصَلِّي عَنْهَا إنْ كَانَتْ، وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ، فَبَانَتْ: أَجْزَأَهُ. نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الدَّارِمِيِّ. قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَنَوَى إنْ كَانَتْ دَخَلَتْ فَعَنْهَا وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ أَوْ فَائِتَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: فَائِتَةٌ أَوْ نَافِلَةٌ لِلتَّرْدِيدِ.
وَفِي الزَّكَاةِ: نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِبِ، إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا فَعَنْ الْحَاضِرِ، فَبَانَ بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ، أَوْ تَالِفًا أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَاضِرِ.
قَالَ: إنْ كَانَ سَالِمًا فَعَنْهُ، وَإِلَّا فَتَطَوُّع، فَبَانَ سَالِمًا: أَجْزَأَهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الصَّوْم: نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَتَطَوُّعٌ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ: أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُجْزِيهِ، وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّعْلِيقُ. قُلْت: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْمُرَجَّحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ خِلَافُهُ.
وَفِي الْجُمُعَةِ: أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، فَقَالَ: إنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا فَجُمُعَةٌ، وَإِلَّا فَظُهْرٌ، فَبَانَ بَقَاؤُهُ، فَفِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، بِلَا تَرْجِيحٍ.