وَيُرْجَعُ إلَى الْعُرْفِ أَيْضًا فِي مُوَالَاةِ الْأَذَانِ فَلَا يَقْطَعُهُ الْيَسِيرُ مِنْ السُّكُوتِ وَالْكَلَامِ وَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالرِّدَّةِ، وَيَقْطَعُهُ الطَّوِيلُ مِنْهَا وَقِيلَ: لَا يَقْطَعُهُ الطَّوِيلُ أَيْضًا وَقِيلَ: يَقْطَعُهُ الْيَسِيرُ أَيْضًا وَالْكَلَامُ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ مِنْ السُّكُوتِ، وَالنَّوْمُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْكَلَامِ، وَالْإِغْمَاءُ أَوْلَى بِهِ مِنْ النَّوْمِ، وَالْجُنُونُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْإِغْمَاءِ، وَالرِّدَّةُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْإِقَامَةُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْأَذَانِ.
وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا يَقْطَعُهُ الطَّوِيلُ، فَالْمُرَادُ: إذَا لَمْ يَفْحُشْ الطُّولُ بِحَيْثُ لَا يُعَدَّ مَعَ الْأَوَّلِ أَذَانًا وَيُرْجَعُ إلَيْهِ أَيْضًا فِي مُوَالَاةِ الْخُطْبَةِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ. قَالَ الْإِمَامُ: التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَرْكُهُ الطَّوَافَ. وَفِي سَنَةِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ قَالَ الْإِمَامُ: فَلَا يَلْزَمُ اسْتِيعَابُ السَّنَةِ، بَلْ لَا يُعَرِّفُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَسْتَوْعِبُ الْأَيَّامَ أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَادِ ; فَيُعَرِّفُ فِي الِابْتِدَاءِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ طَرَفَيْ النَّهَارِ، ثُمَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً، ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ، ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ، بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّهُ تَكْرَارٌ لِلْأَوَّلِ.
وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَنَحْوُهُمَا فَضَابِطُ الْفَصْلِ الطَّوِيلِ فِيهَا: مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ وَفِي وَجْهٍ مَا خَرَجَ عَنْ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ. وَفِي ثَالِثٍ: مَا لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْكَلَامِ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ حَصَلَ الْفَصْلُ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ قَصِيرٍ، فَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ أَنَّهُ يَضُرُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ: أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ الِاتِّصَالُ بَيْن الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَوَافَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي الْبَيْعِ: وَلَوْ تَخَلَّلَتْ كَلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بَطَلَ الْعَقْدُ.
قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُلْعَ أَوْسَعُ قَلِيلًا عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ مِنْ الِاتِّصَالِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: الِاتِّصَالُ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَبْلَغُ مِنْهُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ; لِصُدُورِهِمَا مِنْ شَخْصَيْنِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ مِنْ شَخْصَيْنِ مَا لَا يُحْتَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ ; فَلَا تَضُرُّ فِيهِ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ، لَكِنْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ أَنَّهُمَا حَكَيَا عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ، وَاحْتَجَّا بِأَنَّهُ فَصْلٌ يَسِيرٌ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَلْفٌ يَا فُلَانُ إلَّا مِائَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute