وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إنَّ دِينَ اللَّهِ يُسْرٌ - ثَلَاثًا» وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «إنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ» وَرَوَى ابْن مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ مَرْفُوعًا " «إنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِمْ الْعُسْرَ» ".
وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ شَرَعَ الدِّينَ فَجَعَلَهُ سَهْلًا سَمْحًا وَاسِعًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ ضَيِّقًا» .
قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا سَبْعَةٌ:
الْأَوَّل: السَّفَرُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُخَصُهُ ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا: مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ قَطْعًا وَهُوَ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَالْمَسْحُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَمِنْهَا: مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ قَطْعًا، وَهُوَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ.
وَمِنْهَا: مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَهُوَ الْجَمْعُ.
وَمِنْهَا: مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ عَدَم اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَهُوَ التَّنَفُّل عَلَى الدَّابَّةِ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ.
وَاسْتَدْرَكَ ابْنُ الْوَكِيلِ رُخْصَةً تَاسِعَةً، صَرَّحَ بِهَا الْغَزَالِيُّ وَهِيَ: مَا إذَا كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ وَأَرَادَ السَّفَرَ، فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ. وَيَأْخُذُ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، وَلَا يَلْزَمهُ الْقَضَاءُ لِضَرَّاتِهَا إذَا رَجَعَ. وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالطَّوِيلِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا.
الثَّانِي: الْمَرَضُ.
وَرُخَصُهُ كَثِيرَةٌ، التَّيَمُّمُ عِنْدَ مَشَقَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِمَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ أَوْ يَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ، وَالْقُعُودُ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ. وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاضْطِجَاعُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْإِيمَاءُ وَالْجَمْعُ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ، وَنُقِلَ عَنْ النَّصّ، وَصَحَّ فِيهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالتَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ مَعَ حُصُولِ الْفَضِيلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكُ الصَّوْمِ لِلشَّيْخِ الْهَرِمِ مَعَ الْفِدْيَةِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمُعْتَكَفِ وَعَدَمُ قَطْع التَّتَابُعِ الْمَشْرُوطِ فِي الِاعْتِكَافِ، وَالِاسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ ; وَإِبَاحَةُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْفِدْيَةِ، وَالتَّحَلُّلُ عَلَى وَجْهٍ.
فَإِنْ شَرَطَهُ فَعَلَى الْمَشْهُورِ، وَالتَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ وَبِالْخَمْرِ عَلَى وَجْهٍ، وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِهَا إذَا غَصَّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِبَاحَةُ النَّظَرِ حَتَّى لِلْعَوْرَةِ وَالسَّوْأَتَيْنِ.