للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَتَسَاقَطَانِ مَعًا هَذَا هُوَ ضَابِطُ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ قِسْمَانِ: تَارَةً يَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَتَارَةً فِي الْبَعْضِ.

أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّنَافِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَالرَّدَّةِ مَعَ الْإِسْلَامِ وَالْقَتْلِ وَالْكُفْرِ مَعَ الْقَرَابَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ الْإِرْثِ وَكَالدَّيْنِ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ وَأَسْبَابُهَا تُوجِبُهَا، وَكَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا أَوْ الْأَصْلَيْنِ إذَا قُطِعَ رَجُلٌ مَلْفُوفٌ فِي الثِّيَابِ فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَلِيُّ فِي كَوْنِهِ كَانَ حَيًّا حَالَةَ الْجِنَايَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْغَالِبَيْنِ وَهُمَا الظَّاهِرَانِ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ لِلرَّجُلِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَكَوْنُ الْمُدَّعِي فِيهِ مِنْ قُمَاشِ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ فَقَدَّمْنَا نَحْنُ هَذَا الظَّاهِرَ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمَا مَعًا يَدًا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَمَالِكٌ يَقُولُ الْيَدُ خَالِصَةٌ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ يَصْلُحُ لَهُمَا قُدِّمَ مِلْكُ الرَّجُلِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْيَدِ وَكَالْمُنْفَرِدَيْ نِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْمِصْرُ كَبِيرٌ قُدِّمَ مِلْكُ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَقَدَّمَ سَحْنُونٌ ظَاهِرَ الْحَالِ وَقَالَ الظَّاهِرُ كَذِبُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْعَظِيمَ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ يَقْتَضِي أَنْ يَرَاهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ فَانْفِرَادُ هَذَيْنِ دَلِيلُ كَذِبِهِمَا وَلَمْ يُوجِبْ الصَّوْمَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ وُجُودِهَا بِسَبَبِ النَّبْشِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُتَنَافِيَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فِي مُسَبَّبَاتِهَا.

وَأَمَّا التَّسَاقُطُ بِسَبَبِ التَّنَافِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالنِّكَاحِ مَعَ الْمِلْكِ إذَا عَقَدَ عَلَى أَمَتِهِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ وَالْمِلْكُ يُوجِبُ مَعَ ذَلِكَ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالْمَنَافِعِ فَسَقَطَ النِّكَاحُ تَغْلِيبًا لِلْمِلْكِ بِسَبَبِ قُوَّتِهِ وَتَكُونُ الْإِبَاحَةُ الْحَاصِلَةُ مُضَافَةً لِلْمِلْكِ فَقَطْ وَلَا يَحْصُلُ تَدَاخُلٌ فَلَا يُقَالُ هِيَ مُضَافَةٌ لَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَكَمَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَصَيَّرَهَا أَمَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ السَّابِقَ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ اللَّاحِقُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مَعَ بَقِيَّةِ آثَارِ الْمِلْكِ فَأَسْقَطَ الشَّرْعُ النِّكَاحَ السَّابِقَ بِالْمِلْكِ اللَّاحِقِ عَكْسُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ قُدِّمَ فِيهِ السَّابِقُ وَهَذَا قُدِّمَ فِيهِ اللَّاحِقُ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا كَانَ أَقْوَى قَدَّمَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَابِقًا وَلَاحِقًا وَلَاحَظْنَا أَنَّ السَّابِقَ يُقَدَّمُ بِحُصُولِهِ فِي الْمَحَلِّ وَسَبْقِهِ وَإِلَّا لَانْدَفَعَ الشِّرَاءُ عَنْ الزَّوْجَةِ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً وَبَطَلَ الْبَيْعُ لَكِنَّ السِّرَّ مَا ذَكَرْته لَك، وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْحَاكِمِ مَعَ الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِمَا يَعْلَمُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ مُضَافٌ لِلْبَيِّنَةِ دُونَ عِلْمِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ سَاقِطٌ حَذَرًا مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْحُكْمِ بِالتُّهَمِ وَعَلَى النَّاسِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عِلْمُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْعِلْمُ أَوْلَى مِنْ الظَّنِّ وَيَحْتَمِلُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَجْعَلُ الْحُكْمَ مُضَافًا إلَيْهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ سَبَبَانِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِهِ الْأَصْلُ بَيْنَ الصَّلَاةِ إلَخْ جَوَابًا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ سُقُوطُهُ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ فَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَصَحُّ نَظَرًا لُزُومُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَيُصَادِمُهُمْ الْإِجْمَاعُ اهـ فَافْهَمْ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَتُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَنَوَى بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ جَرَيَانِ السَّبَبِ لَا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بَعْدَ أَحَدِ أَسْبَابِهَا الَّذِي هُوَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ جَابِرَةٌ لِمَا عَسَاهُ اخْتَلَّ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالرَّفَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ كَمَا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جَابِرٌ لِمَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّوْمُ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا عَلِمْت فَتَنَبَّهْ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

قَالَ الْحَطَّابُ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ أَيْ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِالْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ كَمَا نَقُولُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا فَإِنْ وَطِئَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ نَقَلَهُ كَنُونِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق وَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق إنَّ الْأَبِيَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَحَادِيثِ الْإِشْرَاكِ فِي الْهَدْيِ عَلَى قَوْلِ الرَّاوِي فَأَمَرَنَا إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ نَقْلٌ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَذْهَبُنَا أَنَّ هَدْيَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.

وَفِي وَقْتِ جَوَازِ نَحْرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: فَالصَّحِيحُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَحْرُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ اهـ.

وَعَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجِيزُ نَحْرَ الْهَدْيِ لِلتَّمَتُّعِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَنَا وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَعَلَى تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُصُولِ وَالْأَوَّلِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ لِقَوْلِهِ إذَا أَحْلَلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>