للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلتَّوْرِيثِ بِالْفَرْضِ فِي أَنْكِحَةِ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا وَيَسْقُطُ الْآخَرُ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَقْتَضِي الْإِرْثَ كَالِابْنِ إذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدُهَا حِينَئِذٍ ابْنُهُ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ وَتَسْقُطُ الْأُخُوَّةُ أَمَّا إنْ كَانَا سَبَبَيْنِ الْفَرْضَ وَالتَّعْصِيبَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِهِمَا كَالزَّوْجِ ابْنُ عَمٍّ يَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ فَهَذِهِ مَثَلٌ وَمَسَائِلُ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَتَسَاقُطِهَا عَلَى اخْتِلَافِ التَّدَاخُلِ وَالتَّسَاقُطِ.

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ) وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْوَسَائِلِ بِالذَّرَائِعِ وَهُوَ اصْطِلَاحُ أَصْحَابِنَا وَهَذَا اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ سَدُّ الذَّرَائِعِ وَمَعْنَاهُ حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ مِنْ خَوَاصِّ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ الذَّرَائِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى سَدِّهِ وَمَنْعِهِ وَحَسْمِهِ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إهْلَاكِهِمْ وَكَذَلِكَ إلْقَاءُ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبُّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا وَقِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ وَأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لَا تُسَدُّ وَوَسِيلَةٌ لَا تُحْسَمُ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَكَالْمَنْعِ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى.

وَقِسْمٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُسَدُّ أَمْ لَا؟ كَبُيُوعِ الْآجَالِ عِنْدَنَا كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ قَبْلَ الشَّهْرِ فَمَالِكٌ يَقُولُ: إنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ خَمْسَةً الْآنَ وَأَخَذَ عَشْرَةً آخِرَ الشَّهْرِ فَهَذِهِ وَسِيلَةٌ لِسَلَفِ خَمْسَةٍ بِعَشْرَةٍ إلَى أَجَلٍ تَوَسُّلًا بِإِظْهَارِ صُورَةِ الْبَيْعِ لِذَلِكَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُنْظَرُ إلَى صُورَةِ الْبَيْعِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْبُيُوعُ يُقَالُ إنَّهَا تَصِلُ إلَى أَلْفِ مَسْأَلَةٍ اخْتَصَّ بِهَا مَالِكٌ وَخَالَفَهُ فِيهَا الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ هَلْ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الزِّنَى أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَالْحُكْمُ بِالْعِلْمِ هَلْ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤَثِّرُونَ فِي السِّلَعِ بِصَنْعَتِهِمْ فَتَتَغَيَّرُ السِّلَعُ فَلَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا بِيعَتْ فَيَضْمَنُونَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْأَخْذِ أَمْ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ وَأَصْلُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ قَوْلَانِ وَكَذَلِكَ تَضْمِينُ حَمَلَةِ الطَّعَامِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ) قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْوَسَائِلِ حُكْمُ مَا أَفَضْت إلَيْهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَمَا قَالَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْخَمْسِينَ وَالْفَرْقِ السِّتِّينَ وَالْحَادِي وَالسِّتِّينَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَنْ نُهْدِيَ. اهـ.

قَالَ وَبِكَلَامِ الْأَبِيِّ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ صِحَّةُ حَمْلِ قَوْلِ خَلِيلٍ وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ وَأَجْزَأَ نَحْرُ دَمِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَسُقُوطُ تَعَقُّبِ الشُّرَّاحِ الْمُعْتَدِّ بِهِمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ نَحْرَ الْهَدْيِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مُجْزِئٌ وَتَأَوُّلِهِمْ لَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَأَجْزَأَ دَمُ التَّمَتُّعِ بِمَعْنَى تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَوْ عِنْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَلْ وَلَوْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَمَا يَأْتِي لَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ لِذَلِكَ اهـ. بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.

وَقَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ وَاللَّفْظُ لَهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ وَلَا دَلِيلَ لِلْبُنَانِيِّ فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَالْجُمْهُورِ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ أَطْلَقَهَا أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَتْ تَشْمَلُ الْإِمَامَ مَالِكًا لَكِنْ لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ أَيْ كَالْبَاجِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَسَنَدٍ وَابْنِ الْفَرَسِ وَالْجُنَيْدِ وَغَيْرِهِمْ نَسَبُوا لَهُ عَكْسَ ذَلِكَ نَصًّا.

وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْجَوَازِ هِيَ الْمَشْهُورَةُ أَوْ الرَّاجِحَةُ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُخْرَى عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجِيزُ نَحْرَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَبِيِّ كَذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا لِعِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ تَقْلِيدُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ كَذَا فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مَظْنُونٍ بِهَا الصِّحَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ أَيْ عِيَاضًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَوَازَ نَحْرِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَا قَبْلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ.

وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ اللَّخْمِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّقْلِيدِ لَا فِي النَّحْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَفْظَةَ نَحْرٍ فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ عَنْ عِيَاضٍ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هِيَ تَقْلِيدٌ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ اُنْظُرْهُ فِي الرَّهُونِيِّ وَالْحَطَّابِ اهـ.

وَخُلَاصَةُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمَا أَنَّ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَإِنْ أَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ بِجَوَازِ نَحْرِ دَمِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمَشْهُورُ بَلْ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ أَطْلَقَهَا أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَشُمُولُهَا احْتِمَالًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ حِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِهِ كَيْفَ وَقَدْ نَسَبَ لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>