للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَّضِحُ مَذْهَبُنَا اتِّضَاحًا جَيِّدًا وَأَنَّا لَمْ نُخَالِفْ قَاعِدَةً بَلْ مَشَيْنَا عَلَى الْقَوَاعِدِ وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ إشْكَالٌ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُمْ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِيهَا وَلَيْسَ مُطْلَقًا عَلَى مَا زَعَمُوا بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ فِي كُتُبِهِمْ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ وَالْقَضَاءُ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ أَصْلٌ لَكِنَّهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ.

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ) قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ وَلَوْ أَوْقَعَتْهُ حِينَئِذٍ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ إذَا فَعَلَتْ فَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ إنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الشَّافِعِيَّةِ وَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنَّهُ أَدَاءٌ أَمَّا إذَا قَالَ: إنَّهُ قَضَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُ.

قَالَ (وَيَتَّضِحُ مَذْهَبُنَا اتِّضَاحًا جَيِّدًا فَإِنَّا لَمْ نُخَالِفْ قَاعِدَةً بَلْ مَشَيْنَا عَلَى الْقَوَاعِدِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا قُرِّرَ.

قَالَ (وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ إشْكَالٌ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُمْ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ بَاطِلًا فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ) قُلْتُ وَلَا صَنَعَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَيْسَ بِنَكِيرٍ أَنْ يُطْلَقَ الْقَوْلُ وَالْمُرَادُ التَّقْيِيدُ وَغَايَتُهُ أَنْ تَقُولَ تَجَنُّبُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ أَكِيدٌ.

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ إلَى قَوْلِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِهَا) قُلْتُ لَيْسَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِإِيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ كَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ إنْ أَوْقَعَتْهُ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ بِذَلِكَ وَلَكِنْ مُرَادُهُمْ أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالتَّعْوِيضِ وَمِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ الَّتِي هِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَنَّ تَكْلِيفَهَا بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ بَلْ فِي أَيَّامِ التَّعْوِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مُكَلَّفًا بِجُمْلَةِ عِبَادَةٍ مُتَرَتِّبَةِ الْأَجْزَاءِ بَلْ بِكُلِّ جُزْءٍ زَمَنَهُ وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ قَطْعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ تَقْرِيرٌ أَنَّ زَمَنَ التَّكْلِيفِ يَكُونُ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ وَمِنْ لُزُومِ تَقَدُّمِ زَمَنِ التَّكْلِيفِ عَلَى زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ فِي الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَرَتِّبَةِ ظَهَرَتْ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَرَتُّبِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَظَهَرَ بُطْلَانُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

التَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّخْصِيصِ تَعَيَّنَ فِيهِ التَّخْصِيصُ وَمِنْ هُنَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ فَلَا تُسْقِطُهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ بَلْ قَالَ زَكَرِيَّا: لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ كَلَامٌ آخَرُ يَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا تَوْجِيهَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا نَفَاهُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ بِمَا ذَكَرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ إلَى الْمَفْهُومِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا حَتَّى لَا يَقْضِيَ فِيهِ بِمُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ اهـ فَافْهَمْ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ضَعْفَ دَلِيلِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ عَلَى أَنَّ وُجُوهَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْكَارِ الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا قَدْ ضَعُفَتْ أَيْضًا فَمَا وَجْهُ إبْطَالِ مُقَابِلِهِ دُونَهُ، أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَقْلِيٌّ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مِثْلِهِ وَإِمَّا نَقْلِيٌّ إمَّا مُتَوَاتِرٌ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ وَإِمَّا آحَادٌ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي مِثْلِهِ.

وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ اشْتِرَاطَ التَّوَاتُرِ وَعَدَمَ إفَادَةِ الْآحَادِ فِي مِثْلِهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ فِي مُفْرَدَاتِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ بِالْآحَادِ كَنَقْلِهِمْ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَسِيبَوَيْهِ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَلَزِمَ ثُبُوتُهُ فِي الْخَبَرِ لِأَنَّ الَّذِي بِهِ ثَبَتَ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ الْحَذَرُ مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ قَائِمٌ فِي الْخَبَرِ وَالْعِلَّةُ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَاللَّازِمُ وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي الْخَبَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ الْمَعْلُوفَةِ بِهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ قَطْعًا.

وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ لِقَوْلِ السَّعْدِ الْحَقُّ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ كَمَا فِي قَوْلِنَا الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَئِمَّةٌ فُضَلَاءُ وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عِنْدَ قَصْدِ الْإِخْبَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَنَفْيَ الْمَفْهُومِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي قَوْلِنَا فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِالْمَفْهُومِ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ مُتَفَرِّقًا وَتَحَقَّقَ التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ فِي صُورَةِ الِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالسَّائِمَةِ تَارَةً بِالْمَعْلُوفَةِ أُخْرَى أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وِزَانَ قَوْلِك فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا وِزَانُ قَوْلِك فِي مَفْهُومِ

<<  <  ج: ص:  >  >>