للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَلَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فِي الْعَصْرِ تَحْرِيمُهُ وَتَنْجِيسُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْشَأُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَاسْتُصْحِبَتْ وَالْوَارِدُ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ قَبْلَ أَنْ يَرِدَ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّجَاسَةَ فَاسْتُصْحِبَتْ فَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِيهِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَاَلَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فِي الْعَصْرِ تَحْرِيمُهُ وَتَنْجِيسُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرُّومَ لَا يُذَكُّونَ قَدْ حَكَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُذَكِّي وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ لَا يُذَكُّونَ لَيْسَتْ الْإِنْفَحَة مُتَعَيِّنَةً لِعَقْدِ الْجُبْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْقَدُ بِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ كَبَعْضِ الْأَعْشَابِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرُّومَ لَا يُذَكُّونَ وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّذِينَ يَكُونُ الْجُبْنُ الْمُعَيَّنُ جُبْنَهُمْ لَا يُذَكُّونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْقِدُونَ بِغَيْرِ الْإِنْفَحَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا ارْتَضَاهُ وَحَكَاهُ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ الِاحْتِمَالُ فَهُوَ مَوْضِعُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَقْوَى نَقْلًا وَنَظَرًا الْجَوَازُ وَعَدَمُ التَّنْجِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْشَأُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَاسْتُصْحِبَتْ وَالْوَارِدُ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ قَبْلَ أَنْ يَرِدَ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّجَاسَةَ فَاسْتُصْحِبَتْ فَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِيهِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ) قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْبَاطِنِ هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا حَكَمَ لِمَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ بِالطَّهَارَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَحْكُمَ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ وَلَمَّا لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِالطَّهَارَةِ إجْمَاعًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْبَاطِنِ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّ أَصْلَهُ الطَّهَارَةُ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ هَذَا إنْ سَلَّمَ أَنَّ حُكْمَ مَا فِي الْبَاطِنِ الطَّهَارَةُ لَكِنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ مَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ بِطَاهِرٍ بَلْ هُوَ نَجَسٌ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى إزَالَتِهِ وَإِذَا كَانَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ مَعْفُوًّا عَنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْإِزَالَةِ دَفْعًا لِمَشَقَّةِ الْإِزَالَةِ مَعَ إمْكَانِهَا فَأَحْرَى أَنْ يُعْفَى عَمَّا تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْإِزَالَةُ وَالدَّاعِي إلَى هَذَا الْكَلَامِ وَاخْتِيَارُهُ دُونَ مَا اخْتَارَهُ أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْخَارِجِ هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْبَاطِنِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِطَهَارَتِهِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَمَّا وَجَدُوا طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ أَسَدَّ الطُّرُقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ سَلَكُوا طَرِيقَهُ فَطَلَبُوا مَعْرِفَةَ الْأَحْكَامِ بِطَرِيقِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ اتَّبَعْنَا الشَّافِعِيَّ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّا وَجَدْنَا قَوْلَهُ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلَهَا لَا أَنَّا قَلَّدْنَاهُ

قَالَ النَّوَوِيُّ.

هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرُهُ بِقَوْلِهِ مَعَ إعْلَامِهِ بِنَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ قَالَ ثُمَّ فَتْوَى الْمُفْتِي فِي هَذَا النَّوْعِ كَفَتْوَى الْمُسْتَقِلِّ فِي الْعَمَلِ بِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ اهـ كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَالَ السُّيُوطِيّ فَالْمُطْلَقُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمُسْتَقِلِّ فَكُلُّ مُسْتَقِلٍّ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُطْلَقٍ مُسْتَقِلًّا وَاَلَّذِي ادَّعَيْنَاهُ هُوَ الِاجْتِهَادُ الْمُطْلَقُ لَا الِاسْتِقْلَالُ بَلْ نَحْنُ تَابِعُونَ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَالِكُونَ طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَمَعْدُودُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ اجْتِهَادَنَا مُقَيَّدٌ وَالْمُجْتَهِدُ الْمُقَيَّدُ إنَّمَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُطْلَقِ بِإِخْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ مَشْرِقِهَا إلَى مَغْرِبِهَا أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْعَرَبِيَّةِ مِنِّي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَضِرُ أَوْ الْقُطْبُ أَوْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ أَقْصِدْ دُخُولَهُمْ فِي عِبَارَتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ السُّيُوطِيّ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَيْفَ يَدَّعِي خُلُوَّ الْأَرْضِ عَمَّنْ يَقُومُ بِهِ فَيَأْثَمُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا فِي رِسَالَةِ السُّيُوطِيّ الْمَذْكُورَةِ وَفِي حَاشِيَةِ الْبَاجُورِيِّ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ وَادَّعَى الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ بَقَاءَهُ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا» وَمَنَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ يُجَدِّدُ أَمْرَ الدِّينِ مَنْ يُقَرِّرُ الشَّرَائِعَ وَالْأَحْكَامَ لَا الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ اهـ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي شَخْصٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى بُلُوغَهَا مِنْهُمْ لَا تَسْلَمُ لَهُ دَعْوَاهُ ضَرُورَةَ أَنَّ بُلُوغَهَا لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهِ تَحْصِيلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ شُرُوطِهِ بِقَدْرِ مَا فِي طَاقَاتِهِمْ الْبَشَرِيَّةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ تَحْصِيلُهَا كَيْفَ يَدَّعِي تَأْثِيمَ جَمِيعِهِمْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَالِمُ الْأَقْطَارِ الشَّامِيَّةِ بَعْدَ سَرْدِهِ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ: هَذِهِ الشُّرُوطُ يَعُزُّ وُجُودُهَا فِي زَمَانِنَا فِي شَخْصٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ لَا يُوجَدُ فِي الْبَسِيطَةِ الْيَوْمَ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ.

وَقَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَسِيطِ.

وَأَمَّا شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقَاضِي فَقَدْ تَعَذَّرَتْ فِي وَقْتِنَا وَفِي الْإِنْصَافِ مِنْ كُتُبِ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>