للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ وَالْغَالِبَ أَنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَمَتَى تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَرَدَ سُؤَالٌ مُشْكِلٌ وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلظَّلَامِ وَالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَهَذَا الْجَمْعُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يَلْحَقُهُمْ ضَرَرٌ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بُيُوتِهِمْ وَعَوْدِهِمْ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ لَهُمْ أَقِيمُوا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ حَتَّى تُصَلُّوهَا وَهَذَا الضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَخْرُجُوا الْآنَ وَيُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ أَفْذَاذًا وَإِمَّا بِأَنْ يُصَلُّوا الْآنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَضَاعَ الْوَاجِبُ بِالْجَمْعِ فَلَوْ حُفِظَ هَذَا الْوَاجِبُ ضَاعَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ فَقُدِّمَ الْمَنْدُوبُ عَلَى الْوَاجِبِ فَحَصَلَ وَتُرِكَ الْوَاجِبُ فَذَهَبَ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ إلَى قَوْلِهِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْوَقْتِ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ وَقَرَّرَهُ هُنَا صَحِيحٌ كَمَا قَرَّرَ.

قَالَ (وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَضَاعَ الْوَاجِبُ بِالْجَمْعِ فَلَوْ حَفِظَ هَذَا الْوَاجِبُ ضَاعَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ فَقُدِّمَ الْمَنْدُوبُ عَلَى الْوَاجِبِ فَحَصَلَ وَتُرِكَ الْوَاجِبُ فَذَهَبَ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا فِي الْحَالِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِ الْأُولَى لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ جَائِزٌ وَالتَّقْدِيمُ أَوْلَى لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يَضِعْ وَاجِبٌ بِالْجَمْعِ وَلَا تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَلَا قُدِّمَ مَنْدُوبٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلَا خُولِفْتُ فِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ ذَهَابُ وَهْمِهِ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِيمَا عَدَا الْحَالَ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِهَا مِنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إنَّ النَّاسَ كَالْمُجْمِعِينَ الْيَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ كَيْفِيَّةُ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الزَّيْغِ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ قَدْ ادَّعَى بُلُوغَهُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ وَهُوَ إمَامٌ جَلِيلٌ مُتَضَلِّعٌ مِنْ الْعُلُومِ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَمِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْبَعِيدَةِ وَعَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقِلًّا وَأَنَّ مَنْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ عِبَارَةً عَنْ غَيْرِ الْعَامِّيِّ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ عِبَارَةً عَنْ الْعَامِّيِّ وَأَنَّ غَيْرَ الْعَامِّيِّ إمَّا مُجْتَهِدٌ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ وَلَهُ مَرْتَبَتَانِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَشَارَ لَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ الشَّرْحِ وَدُونَهُ أَيْ دُونَ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الْمُتَقَدِّمِ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْدِيهَا عَلَى نُصُوصِ إمَامِهِ فِي الْمَسَائِلِ اهـ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِتَقْرِيرِ أُصُولِهِ بِالدَّلِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ فِي أَدِلَّتِهِ أُصُولَ إمَامِهِ وَقَوَاعِدَهُ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ تَفْصِيلًا بَصِيرًا بِمَسَالِكِ الْأَقْيِسَةِ وَالْمَعَانِي تَامِّ الِارْتِيَاضِ فِي التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ قَيِّمًا بِإِلْحَاقِ مَا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لِإِمَامِهِ بِأُصُولِهِ وَلَا يُعَرَّى عَنْ شَوْبِ تَقْلِيدٍ لَهُ لِإِخْلَالِهِ بِبَعْضِ أَدَوَاتِ الْمُسْتَقِلِّ بِأَنْ يُخِلَّ بِالْحَدِيثِ أَوْ الْعَرَبِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا أَخَلَّ بِهِمَا الْمُقَيَّدُ ثُمَّ يَتَّخِذُ نُصُوصَ إمَامِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ إمَامِهِ وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُعَارِضٍ كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ فِي النُّصُوصِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالْعَامِلُ بِفَتْوَى هَذَا مُقَلِّدٌ لِإِمَامِهِ لَا لَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ لَا يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَيَظْهَرُ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَتَأَدَّ فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الَّتِي مِنْهَا اسْتِمْدَادٌ لِلْفَتْوَى اهـ.

وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِنَا إلَخْ مِثْلُ الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيِّ صَاحِبَيْ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ صَاحِبَيْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ الْخَلَّالِ وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيِّ وَالشَّيْخِ حَنْبَلٍ وَصَالِحِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إفْتَاءِ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَالْأَصْلُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَعْصَارِ الِاسْتِنْبَاطُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ بِأَقْوَالِ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ.

وَلَوْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ لَزِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>