وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ لِدَفْعِ ضَرُورَةِ السَّفَرِ وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ الْمُحَرَّمُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّلَفِ وَتُسَاغُ الْغُصَّةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَعَيُّنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَا فِعْلُ الْمُحَرَّمِ وَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَلَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ وَالْمَرَضِ إلَّا لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ لِدَفْعِ ضَرُورَةِ السَّفَرِ) قُلْتُ وَمَتَى كَانَ تَرْكُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لِدَفْعِ ضَرَرِ السَّفَرِ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ إمَامِنَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ جَائِزٌ وَمَتَى كَانَ تَرْكُ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا وَالْإِتْمَامُ سَائِغٌ بَلْ ضَرَرُ السَّفَرِ جَائِزُ الدَّفْعِ بِذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الدَّفْعُ بِذَلِكَ جَائِزًا فَالْمُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ فِي إيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ السَّفَرِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتٍ آخَرَ مَعَ اخْتِيَارِ الصَّوْمِ وَكَذَلِكَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ مَعَ اخْتِيَارِ الْقَصْرِ فَإِذَا أَفْطَرَ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا وَإِذَا قَصَرَ كَذَلِكَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَفْطَرَ تَرَكَ وَاجِبًا لَزِمَهُ إنْكَارُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا قَصَرَ تَرَكَ وَاجِبًا لَزِمَهُ إنْكَارُ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ الْمُحَرَّمُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّلَفِ وَتُسَاغُ الْغُصَّةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَعَيُّنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ) قُلْتُ إذَا أَكَلَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ أَوْ شَرِبَ الْغَاصُّ الْخَمْرَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا بَلْ فَعَلَ وَاجِبًا وَمَا هَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ إلَّا كَلَامُ مَنْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ فَالتَّحْرِيمُ لَا يُفَارِقُ الْمَيْتَةَ وَالْخَمْرَ بِحَالٍ وَذَلِكَ وَهْمٌ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
قَالَ (أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَا فِعْلُ الْمُحَرَّمِ) قُلْتُ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ وَاجِبٍ وَلَا فِعْلُ مُحَرَّمٍ إلَّا بِمَعْنَى مَا كَانَ وَاجِبًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ وَمُحَرَّمًا كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ (وَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَلَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ وَالْمَرَضِ إلَّا لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرَدٌ) قُلْتُ إذَا تَعَيَّنَ تَرْكُ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ صَارَتْ تِلْكَ الْوَاجِبَاتُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الزَّيْغُ وَالضَّلَالُ وَالْإِلْحَادُ فِي الدِّينِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ يُعَارِضُهَا مِثْلُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَلَا إطْلَاعَ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ عَنْهُمْ وَبَعْضُهَا مَنْسُوخٌ وَبَعْضُهَا مَخْصُوصٌ وَبَعْضُهَا مُجْمَلٌ وَبَعْضُهَا مُتَشَابِهٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْسَامِ اهـ الْمُرَادُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ حَتَّى عَنْ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ فَفِي الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَنْ الَّذِي يُمْكِنُ تَفْوِيضُ الْفَتْوَى إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُطْلَقِ وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَقَلُّونَ كَالْحَنَابِلَةِ اهـ سَمِّ سِيَّمَا وَنَحْنُ الْآنَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْأَخْضَرِيُّ فِي سُلَّمِهِ الْمُنْوَرِقِ لَا سِيَّمَا فِي عَاشِرِ الْقُرُونِ ذِي الْجَهْلِ وَالْفَسَادِ وَالْفُتُونِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَشَارَ لَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ الشَّرْحِ وَدُونَهُ إلَخْ أَيْ دُونَ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ مُجْتَهِدُ الْفُتْيَا وَهُوَ الْمُتَبَحِّرُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَرْجِيحِ قَوْلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ أَطْلَقَهُمَا اهـ.
وَسَمَّاهُ الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مُجْتَهِدَ التَّرْجِيحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهَا يُصَوِّرُ وَيُحَرِّرُ وَيُقَرِّرُ وَيُمَهِّدُ وَيُزَيِّفُ وَيُرَجِّحُ لَكِنَّهُ قَصَرَ عَنْ أُولَئِكَ لِقُصُورِهِ عَنْهُمْ فِي حِفْظِ الْمَذْهَبِ أَوْ الِارْتِيَاضِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ الْأُصُولِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَدِلَّتِهَا اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ وَمُجْتَهِدُو الْفَتْوَى مَنْ كَمُلُوا فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ حَتَّى وَصَلُوا لِرُتْبَةِ التَّرْجِيحِ لِلْأَقْوَالِ وَهُمْ كَثِيرُونَ كَالرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيِّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اهـ بِتَوْضِيحٍ.
وَقَالَ شَيْخُ وَالِدِي الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِيُّ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ إنَّ الرَّمْلِيَّ وَابْنَ حَجَرٍ لَمْ يَبْلُغَا مَرْتَبَةَ التَّرْجِيحِ بَلْ هُمَا مُقَلِّدَانِ فَقَطْ نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَهُمَا تَرْجِيحٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ بَلْ والشبراملسي أَيْضًا اهـ وَكَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَرَافِيِّ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَكَابْنِ نَجِيمٍ وَالسَّرَخْسِيِّ وَالْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ وَالطَّحَاوِيِّ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَأَبِي يَعْلَى وَابْنِ قُدَامَةَ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ الْأَصْلُ وَحَالُ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَنْ يُحِيطَ بِتَقْيِيدِ جَمِيعِ مُطْلَقَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَخْصِيصِ جَمِيعِ عُمُومَاتِهِ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ عَلَى مَا يَحْفَظُهُ اهـ.
وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَمَّا