للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ

الْمَصَالِحَ

الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيَهُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ حَتَّى يَكُونَ أَدْنَى الْمَصَالِحِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَصْلَحَةُ وَالنَّدْبُ وَتَعْظُمُ رُتْبَتُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَنْدُوبَاتِ تَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَفَاسِدُ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْعِظَمِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ يَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْمُحَرَّمَاتِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ وَقِلَّتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً وَسَدُّ خَلَّةِ الْوَالِي الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ لِأَنَّ

مَصْلَحَةَ

بَقَاءِ الْوَلِيِّ وَالْعَالِمِ فِي الْوُجُودِ لِنَفْسِهِ وَلِلْخَلْقِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْفَاسِقِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيهِ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ إلَى قَوْلِهِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ) قُلْتُ مَا قَالَ صَحِيحٌ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْأَوَامِرَ تَتْبَعُ

الْمَصَالِحَ

وَالنَّوَاهِيَ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ أَنَّ الْمَصَالِحَ تَتْبَعُ الْأَوَامِرَ وَالْمَفَاسِدَ تَتْبَعُ النَّوَاهِيَ أَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَلَا خَفَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْمَصَالِحَ هِيَ الْمَنَافِعُ وَلَا مَنْفَعَةَ أَعْظَمُ مِنْ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْمَفَاسِدُ هِيَ الْمَضَارُّ وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُقِيمِ.

وَأَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَعَلَى ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنْ الظَّوَاهِرِ الشَّرْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢] وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَادُ يَنْحَصِرُ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْمَوْضِعُ مَحَلُّ نَظَرٍ هَذَا إنْ كَانَ يُرِيدُ بِالتَّبَعِيَّةِ حُصُولَ هَذِهِ بَعْدَ حُصُولِ هَذِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَوَامِرَ وَرَدَتْ لِتَحْصُلَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَصَالِحَ وَأَنَّ النَّوَاهِيَ وَرَدَتْ لِتَرْتَفِعَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَفَاسِدَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٍ.

قَالَ (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ وَقِلَّتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً وَسَدَّ خَلَّةِ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ.

هَذَا وَقَالَ الْأَصْلُ وَمَا لَيْسَ مَحْفُوظًا مِنْ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ لِمَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا هُوَ مَحْفُوظٌ لَهُ مِنْهَا وَإِنْ كَثُرَتْ مَنْقُولَاتُهُ جِدًّا إلَّا إذَا حَصَلَتْ لَهُ شُرُوطُ التَّخْرِيجِ مِنْ حِفْظِهِ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْصِيلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِأُصُولِهَا وَمَعْرِفَتِهِ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَكِتَابَ الْقِيَاسِ وَأَحْكَامِهِ وَتَرْجِيحَاتِهِ وَشَرَائِطِهِ وَمَوَانِعِهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً وَعِلْمُهُ بِأَنَّ قَوْلَ إمَامِهِ الْمُخَرَّجَ عَلَيْهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا لِلْقَوَاعِدِ وَلَا لِنَصٍّ وَلَا لِقِيَاسٍ جَلِيٍّ سَالِمٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقْدُمُونَ عَلَى التَّخْرِيجِ دُونَ هَذِهِ الشُّرُوطِ بَلْ صَارَ يُفْتِي مَنْ لَمْ يُحِطْ بِالتَّقْيِيدَاتِ وَلَا بِالتَّخْصِيصَاتِ مِنْ مَنْقُولِ إمَامِهِ وَذَلِكَ فِسْقٌ وَلَعِبٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ يَتَعَمَّدُهُ اهـ وَيَتَعَيَّنُ جَعْلُ قَوْلِهِ سَالِمٌ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَصْفًا لِكُلٍّ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالنَّصِّ لَا لِخُصُوصِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ إيرَادُ الْحَطَّابِ فَافْهَمْ.

وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَلَهُ مَرْتَبَتَانِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا وَفِي جَوَازِ إفْتَائِهِ بِمَا عَرَفَهُ مُطْلَقًا وَأَنْ يُقَلِّدَهُ غَيْرُهُ فِيهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً رَابِعُهَا إنْ كَانَ نَقْلِيًّا وَالْأَصَحُّ مِنْهَا كَمَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ الثَّانِي أَيْ الْمَنْعُ مُطْلَقًا الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَدْرِ دَلِيلَهَا أَوْ يَحْفَظْ مُخْتَصَرًا مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْفِقْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا عَرَفَهُ نَعَمْ رُجُوعُ الْعَامِّيِّ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْلَى مِنْ الِارْتِبَاكِ فِي الْحِيرَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُجْتَهِدُ لِغَيْرِهِ نَعَمْ فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ وَإِلَى حَالِ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَحُكْمُ فَتْوَاهُ أَشَارَ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ لِلْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةَ بِعَيْنِهَا اهـ.

وَإِلَى حُكْمِ فَتْوَى مَنْ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى يُشِيرُ قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ إلَخْ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَجَوَابَ ابْنِ رُشْدٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْفَتْوَى وَصِفَةِ الْمُفْتِي قَدْ حَصَرَاهُ فِي مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى وَالتَّرْجِيحِ وَالْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَتَهُ وَصَاحِبِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَرْتَبَتِي الْعَامِّيِّ الْمَارَّتَيْنِ مَعَ إدْمَاجِ صَاحِبِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِ الثَّانِيَةِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَلَى مَتْنِ سَيِّدِي خَلِيلٍ أَنَّ لِطَالِبِ الْعِلْمِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ الْأُولَى أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>