للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي غَالِبِ مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ مَوَاضِعُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْمَصْلَحَةِ وَأَحَدُهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ قِرَاءَتِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَشَاةُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ أَعْظَمُ ثَوَابًا مِنْ شَاةِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِنَفْسِهَا وَدِينَارُ الزَّكَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ دِينَارِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.

وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ قَلِيلٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا أَوْ مُطْلَقًا فَأَذْكُرُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي فَضَّلَهَا الشَّرْعُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سَبْعُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْإِنْظَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٨٠] فَجَعَلَهُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِنْظَارِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي غَالِبِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ مُسَلَّمٌ صَحِيحٌ لَكِنْ عَلَى شَرْطِ الِاسْتِوَاءِ فِي حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِ حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَلَا لِمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.

قَالَ (مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ مَوَاضِعُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْمَصَالِحِ وَأَحَدُهَا أَكْثَرُ ثَوْبًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا أَوْ مُطْلَقًا فَاذْكُرْ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي فَضَّلَهَا الشَّرْعُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سَبْعَ صُوَرٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِوَاءِ مَصْلَحَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِحُجَّةٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ.

قَالَ (الصُّورَةُ الْأُولَى إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا بِصَحِيحٍ بَلْ الْإِنْظَارُ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمَنْدُوبِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٨٠] نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْإِبْرَاءِ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِنْظَارَ تَأْخِيرُ الطَّلَبِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِطَلَبِ الدَّيْنِ بَعْدُ وَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ طَلَبِهِ بَعْدُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الطَّلَبِ مُتَضَمِّنًا لِمَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةُ الْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةَ بِعَيْنِهَا الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّسِعَ اطِّلَاعُهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنِدَاتِهِ فَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ الْمَشْهُورِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَلَا يُخَرِّجُ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً عَلَى مَا يُشْبِهُهَا الثَّالِثَةُ أَنْ يُحِيطَ بِذَلِكَ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنِدَاتِهِ وَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ عَلَى مَا يَحْفَظُهُ اهـ.

وَجَوَابُ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى خَلِيلٍ نَقْلًا عَنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى الْعُلُومِ وَتَتَمَيَّزُ عَنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ فِي الْمَحْفُوظِ وَالْمَفْهُومِ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ طَوَائِفَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ تَقْلِيدًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ دُونَ التَّفَقُّهِ فِي مَعَانِيهَا بِتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْهَا وَالسَّقِيمِ فَهَذِهِ لَا يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى بِمَا عَلِمَتْهُ وَحَفِظَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهَا بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا يَصِحُّ الْفَتْوَى بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَيَصِحُّ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَصِحُّ لَهَا أَنْ تَسْتَفْتِيَهُ أَنْ تُقَلِّدَ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا حَفِظَتْهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ مَنْ يُقَلِّدُهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَيَجُوزُ لِلَّذِي نَزَلَتْ بِهِ النَّازِلَةُ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِيمَا حَكَاهُ لَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي نَازِلَتِهِ وَيُقَلِّدَ مَالِكًا فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ فِيهَا وَذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَجِدْ فِي عَصْرِهِ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ فِي نَازِلَتِهِ فَيُقَلِّدُهُ فِيهَا.

وَإِنْ كَانَتْ النَّازِلَةُ قَدْ عُلِمَ فِيهَا اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْعَامِّيِّ إذَا اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي نَازِلَتِهِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِيهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالِ أَحَدُهَا أَنْ يَأْخُذَ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الثَّانِي أَنْ يَجْتَهِدَ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ أَعْلَمِهِمْ الثَّالِثُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَغْلَظِ الْأَقْوَالِ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ بِمَا بَانَ لَهَا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ الَّتِي بَنَاهُ عَلَيْهَا فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَتَفَقَّهَتْ فِي مَعَانِيهَا فَعَلِمَتْ الصَّحِيحَ مِنْهَا الْجَارِيَ عَلَى أُصُولِهِ مِنْ السَّقِيمِ الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَهَذِهِ يَصْلُحُ لَهَا إذَا اُسْتُفْتِيَتْ أَنْ تُفْتِيَ بِمَا عَلِمَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إذَا كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ إذَا بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُفْتِيَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا تَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>