للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَصْلَحَتَهُ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ فَمَنْ أُبْرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْظَارُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً» أَيْ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَثُوبَةً مِثْلَ مَثُوبَةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ كَذَلِكَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْعِشْرُونَ مَثُوبَةً هِيَ مُضَافَةٌ لِوَصْفِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ خَاصَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ حَصَلَتْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَصَارَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ الْمَنْدُوبُ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فَضَلَ وَاجِبًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ بِأَلْفِ مَثُوبَةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ. الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ «الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» كَمَا خَرَّجَهُ الثِّقَاتُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ. الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

يَسْتَلْزِمُ الطَّلَبَ.

قَالَ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ مُتَفَضِّلَةً عَنْ الصَّلَاةِ بَلْ الْجَمَاعَةُ وَصْفٌ لِلصَّلَاةِ فُضِّلَتْ بِهِ عَلَى وَصْفِ الِانْفِرَادِ فَصَلَاةُ الْمُكَلَّفِ إذَا فَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ وَقَعَتْ وَاجِبَةً وَإِذَا فَعَلَهَا وَحْدَهُ وَقَعَتْ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُنْكَرُ مِثْلُ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا إذَا أَوْقَعَهَا الْمُكَلَّفُ فِي جَمَاعَةٍ فَكَوْنُهَا صَلَاةَ ظُهْرٍ هُوَ الْوَاجِبُ وَكَوْنُهَا فِي جَمَاعَةٍ هُوَ الْمَنْدُوبُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بِوَجْهٍ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي جَمَاعَةٍ لَيْسَ مُنْفَصِلًا مِنْ كَوْنِهَا ظُهْرًا بَلْ هِيَ ظُهْرٌ وَهِيَ فِي جَمَاعَةٍ.

قَالَ (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي تُصَلَّى فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةً فَهِيَ تَفْضُلُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ تَفْضُلُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ.

قَالَ (الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَالْكَلَامِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.

قَالَ (الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ وَهَذِهِ الْكَلَامُ فِيهَا أَيْضًا كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

صِحَّتُهُ إذْ لَيْسَتْ مِمَّنْ كَمُلَ لَهَا آلَاتُ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يَصِحُّ لَهَا بِهَا قِيَاسٌ مِنْ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِهِ بِمَا بَانَ لَهَا أَيْضًا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ لِكَوْنِهَا عَالِمَةً أَحْكَامَ الْقُرْآنِ عَارِفَةً لِلنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْمُفَصَّلِ وَالْمُجْمَلِ وَالْخَاصِّ مِنْ الْعَامِّ عَالِمَةً بِالسُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَحْكَامِ مُمَيِّزَةً بَيْنَ صَحِيحِهَا مِنْ مَعْلُولِهَا عَالِمَةً بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَبِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَالِمَةً مِنْ عِلْمِ اللِّسَانِ بِمَا يُفْهَمُ بِهِ مَعَانِي الْكَلَامِ عَالِمَةً بِوَضْعِ الْأَدِلَّةِ فِي مَوَاضِعِيهَا وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى عُمُومًا بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّازِلَةِ وَعَلَى مَا قِيسَ عَلَيْهَا إنْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا وَمِنْ الْقِيَاسِ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَدْ يُعْلَمُ قَطْعًا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَقَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إلَّا بَعْدَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ يَتَفَاوَتُ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْقِيقِ بِالْمَعْرِفَةِ بِهِ تَفَاوُتًا بَعِيدًا وَتَفْتَرِقُ أَحْوَالُهُمْ أَيْضًا فِي جَوْدَةِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ وَجَوْدَةِ الذِّهْنِ فِيهِ افْتِرَاقًا بَعِيدًا إذْ لَيْسَ الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَالْحِفْظِ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَمَنْ اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ تَصِحُّ لَهُ الْفَتْوَى بِمَا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ الْمُرَكَّبِ عَلَى الْمَحْفُوظِ الْمَعْلُومِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَإِذَا اعْتَقَدَ النَّاسُ فِيهِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فَمِنْ الْحَقِّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُفْتِيَ حَتَّى يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ عَلَى مَا حَكَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ أَشَارَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ اسْتَشَارَهُ السُّلْطَانُ فَاسْتَشَارَهُ فِي ذَلِكَ اهـ.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الِاسْتِنْبَاطُ لُغَةً اسْتِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ الْعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ نَبَطَ الْمَاءُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْبَعِهِ وَاصْطِلَاحًا اسْتِخْرَاجُ الْمَعَانِي مِنْ النُّصُوصِ بِفَرْطِ الذِّهْنِ وَقُوَّةِ الْقَرِيحَةِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْحُكْمَ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِأَلْ عَامٌّ مِمَّا نُقِلَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ حَيْثُ لَا حَصْرَ فِيهِ أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِهِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِأَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ كُبْرَى مَأْخُوذَةً مِنْ قَوْلِهِمْ مِعْيَارًا لِعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ كُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ لِيَنْتِجَ مَطْلُوبٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ عَامٌّ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.

وَفِي حَاشِيَتَيْ الشِّرْبِينِيِّ وَالْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ الِاسْتِنْبَاطُ اسْتِنْتَاجُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رُفِعَتْ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَاقِعَةٌ فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ فَعَلَى الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>