للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْخُشُوعِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْخُشُوعِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ وَصْفِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ مَعَ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا الَّتِي شَهِدَ لَهَا الْحَدِيثُ فِي قَوْله تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمَصْلَحَةِ فَنَقُولُ إنَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمَنْدُوبَ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْوَاجِبِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَنْدُوبِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْمَنْدُوبِ أَعْظَمَ ثَوَابًا فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْمَنْدُوبَ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُشُوعِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا وَجَدْنَا الشَّرْعَ قَدَّمَ مَنْدُوبًا عَلَى وَاجِبٍ فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ مَصْلَحَةَ ذَلِكَ الْمَنْدُوبِ أَكْثَرُ فَلَا كَلَامَ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهَا اسْتَدْلَلْنَا بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَقُلْنَا مَا قَدَّمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الْمَنْدُوبَ عَلَى هَذَا الْوَاجِبِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا الشَّرَائِعَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْخُشُوعِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ) قُلْتُ لَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْعَالِمُ مِنْ كَوْنِ عَدَمِ السَّكِينَةِ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْخُشُوعِ سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِالسَّكِينَةِ حَتَّى يَلْزَمَ عَنْ ذَلِكَ تَرْكُ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلْمَنْدُوبِ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّكِينَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ ضِدَّهَا الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الَّذِي هُوَ شِدَّةُ السَّعْيِ شَاغِلٌ لِلْبَالِ مُنَافٍ لِلْحُضُورِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فَإِذَا كَانَتْ شِدَّةُ السَّعْيِ مِنْ كَسْبِهِ فَعَدَمُ الْحُضُورِ الْمُسَبَّبُ عَنْ الشُّغْلِ بِآثَارِ شِدَّةِ السَّعْيِ مِنْ الِانْبِهَارِ وَالْقَلَقِ مِنْ كَسْبِهِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ مَنْدُوبٍ وَلَا تَفْضِيلِهِ عَلَى وَاجِبٍ بَلْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَرْطِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ مُنَافَاةَ الْقَلَقِ وَالِانْبِهَارِ لِلْخُشُوعِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْوَاضِحِ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مُنَافَاةِ الْحُضُورِ إذْ الْحُضُورُ شَرْطٌ فِي الْخُشُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمَصْلَحَةِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ غَالِبُ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ كَقِيَاسِ مَالِ الصَّبِيِّ عَلَى مَالِ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مَالٌ نَامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

(وَقِيَاسُ الشَّبَهِ) مَا كَانَ الْفَرْعُ فِيهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَصْلَيْنِ وَهُوَ أَكْثَرُ شَبَهًا بِأَحَدِهِمَا فَيُلْحَقُ بِهِ كَالْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الْحُرِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَبَيْنَ الْبَهِيمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَهُوَ بِالْمَالِ أَكْثَرُ شَبَهًا مِنْ الْحُرِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُورَثُ وَيُوقَفُ وَتُضْمَنُ أَجْزَاؤُهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَتُضْمَنُ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَهَذَا أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ مَا قَبْلَهُ اهـ.

بِتَصَرُّفٍ قُلْتُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْجَلِيِّ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْخَفِيِّ نَعَمْ قَالَ الرَّازِيّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْجَمَلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ إنَّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: ٢٨] دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي اللِّوَاطَةِ لِأَنَّهَا اشْتَرَكَتْ مَعَ الزِّنَا فِي كَوْنِهَا فَاحِشَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا أَيْ مِنْ أَمْثِلَةِ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ الظَّنِّيِّ إلَّا أَنَّ الْجَامِعَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآيَةِ اهـ.

أَيْ مِنْ النَّصِّ وَكُلُّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ النَّصِّ فَهُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لَا ظَنِّيُّهَا فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَقَدْ اقْتَصَرْت فِي الْمُقَدِّمَةِ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ فِي بِدَايَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ دَلَالَةَ نَحْوِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فِي الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَفْظِيَّةٌ لَا قِيَاسِيَّةٌ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ.

قَالَ الْأَصْلُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ لِلْمُقَلِّدِ وَلَا لِإِمَامِهِ إلَّا بَعْدَ الْفَحْصِ الْمُنْتَهِي إلَى غَايَةِ أَنَّهُ لَا فَارِقَ هُنَاكَ وَلَا مُعَارِضَ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَتَأَتَّى الْفَحْصُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمُقَلِّدِ إلَّا بَعْدَ إحَاطَتِهِ بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَأَقْيِسَتِهِ وَعِلَلِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَمَعْرِفَتِهِ رُتَبَ تِلْكَ الْعِلَلِ وَنِسْبَتَهَا إلَى الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ الْحَاجِيَّةِ أَوْ التَّتِمِّيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ

الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ

الَّتِي هِيَ أَدْنَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَتْ لَهَا أُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ أَوْ هِيَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ أَوْ قِيَاسِ الْإِحَالَةِ أَوْ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْيِسَةِ وَرُتَبِ الْعِلَلِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُوَضَّحَةِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْمُقَلِّدِ إلَى إمَامِهِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى مَقَاصِدِهِ فَكَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْفَارِقَ مُبْطِلٌ لِلْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ الْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَثَلًا لَوْ وَجَدَ إمَامُهُ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ وَمَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ لِكَوْنِ هَاتَيْنِ ضَعِيفَتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>