وَهَذَا هُوَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَعَ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ النَّافِلَةِ مَعَ سَجْدَةِ الْفَرِيضَةِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ فِيهِمَا بَلْ قَدْ تُتْرَكُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتُعْكَسُ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ ثَوَابًا كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُشُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَهَذَا هُوَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَيَلْزَمُ فِيهِ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَرَتُّبَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ وُقُوعِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُدْرَكُ شَرْعًا وَيَلْزَمُ فِيهِ فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَقِلَّ التَّفَاوُتُ إلَّا فِي الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً.
قَالَ (وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَعَ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ النَّافِلَةِ مَعَ سَجْدَةِ الْفَرِيضَةِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ فِيهِمَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ مُرَاعَاةِ
الْمَصَالِحِ
وَأَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ إلَى حَدِّهَا فِي الْكَثِيرَةِ لَزِمَ الْوُجُوبُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا بُدَّ مِنْ الثَّوَابِ وَعَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ إذَا تَسَاوَتْ أَنْ يَلْزَمَ الْوُجُوبُ فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ إنْ بَلَغَتْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّدْبِ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ لَا نُسَلِّمُ فِيهَا الْمُسَاوَاةَ لَمْ يَأْتِ عَلَى دَعْوَةِ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا بِحُجَّةٍ غَيْرِ مَا سَبَقَ إلَى الْوَهْمِ بِذَلِكَ بِسَبَبِ الْمُسَاوَاةِ فِي الصُّورَةِ وَالْمِقْدَارِ وَذَلِكَ لَا دَلِيلَ فِيهِ.
قَالَ (بَلْ قَدْ تُتْرَكُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتُعْكَسُ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ ثَوَابًا كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُضُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ اهـ.
فَالْمُنْفِقُ عَلَى الْبَهِيمَةِ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ لَا مُحَاسَبَةَ لَهُ لِلْمُنْفَقِ لَهُ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَاتِّبَاعُهُ أَسْلَمُ مَا نَصَّهُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالنَّصُّ الَّذِي فِيهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْتِزَامَاتِ الْحَطَّابِ وَلَيْسَ فِيهِ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ إلَخْ وَإِنَّمَا فِيهِ تَخْرِيجُ حُكْمِ الْجُزْئِيِّ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ فَالْمَنْفِيُّ بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ بِخَيْرٍ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرِ فِي الْوُجُوهِ الْحِسَانِ سَبَبُهُ فَسَادُ التَّصَوُّرِ وَالْحَسَدِ:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبُغْضًا إنَّهُ لَدَمِيمُ
اهـ.
قُلْتُ وَمِنْهُ تَخَرُّجِي فِي رِسَالَتَيْ شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ حُكْمُ الْأَنْوَاطِ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْفُلُوسِ لَا خَيْرَ فِيهَا نَظِرَةٌ بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْوَرِقِ وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لِكَرَاهَتِهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ اهـ كَمَا وَضَّحْته فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ قِيَاسِهِ عَلَى الْفُلُوسِ النُّحَاسِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت.
٢ -
(التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ مَا حَاصِلُهُ إنَّ الِاجْتِهَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ مَا يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ مَذْكُورًا مَعَ غَيْرِهِ فِي النَّصِّ فَيُنَقَّحُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى يُمَيَّزَ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ مِمَّا هُوَ مُلْغًى كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَاءَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَضْرِبُ صَدْرَهُ وَقَدْ قَسَّمَهُ الْغَزَالِيُّ إلَى أَقْسَامٍ ذَكَرَهَا فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ قَالُوا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ بَابِ الْقِيَاسِ وَلِذَلِكَ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ إنْكَارِهِ الْقِيَاسَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى نَوْعٍ مِنْ تَأْوِيلِ الظَّوَاهِرِ.
(الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُسَمَّى بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَنَاطِ فَكَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالْبَحْثِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ الْقِيَاسِيُّ وَهُوَ مَعْلُومٌ.
(الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا يُسَمَّى بِتَحَقُّقِ الْمَنَاطِ وَهُوَ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ الْعَامِّ نَظَرٌ فِي تَعْيِينِ الْمَنَاطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لِمُكَلَّفٍ مَا مَثَلًا إذَا نَظَرَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَدَالَةِ وَوَجَدَ هَذَا الشَّخْصَ مُتَّصِفًا بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ أَوْقَعَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ مِنْ التَّكَالِيفِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْعُدُولِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَالِانْتِصَابِ لِلْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ وَإِذَا نَظَرَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي النَّدْبِيَّةِ وَالْأُمُورِ الْإِبَاحِيَّةِ وَوَجَدَ الْمُكَلَّفِينَ وَالْمُخَاطَبِينَ عَلَى الْجُمْلَةِ أَوْقَعَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ تِلْكَ النُّصُوصِ كَمَا يُوقِعُ عَلَيْهِمْ نُصُوصَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْقَبُولِ الْمَشْرُوطِ بِالتَّهْيِئَةِ الظَّاهِرَةِ فَالْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ فِي أَحْكَامِ تِلْكَ النُّصُوصِ عَلَى سَوَاءٍ فِي النَّظَرِ، وَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ