للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَطْ كَالْمَعَارِفِ وَكَالْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَثَانِيهَا حَقُّ الْعِبَادِ فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ إسْقَاطِهِ، وَإِلَّا فَكُلُّ حَقٍّ لِلْعَبْدِ فَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ بِإِيصَالِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ.

وَثَالِثُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِلْعِبَادِ وَالْغَالِبُ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ كَالزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَكَالْأَمْوَالِ الْمَنْذُورَاتِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ.

وَرَابِعُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْعِبَادِ كَالْأَذَانِ فَحَقُّهُ تَعَالَى التَّكْبِيرَاتُ وَالشَّهَادَةُ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقُّ رَسُولِهِ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَحَقُّ الْعِبَادِ الْإِرْشَادُ لِلْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ وَالدُّعَاءُ لِلْجَمَاعَاتِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ وَالصَّلَاةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَا يَصْحَبُهَا مِنْ الْحَرَكَاتِ وَالتُّرُوكِ وَالْكَفِّ عَنْ الْكَلَامِ وَكَثِيرِ الْأَفْعَالِ وَعَلَى حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَعَلَى حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِالْهِدَايَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْقُنُوتُ وَدُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّسْلِيمُ آخِرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَاضِرِينَ وَلِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَنَحْوِهَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» فَهِيَ مِنْ الْمُفَضَّلَاتِ الَّتِي عُلِمَ سَبَبُ تَفْضِيلِهَا

وَأَمَّا تَفْضِيلُ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ فَبِأُمُورٍ نَعْلَمُهَا وَأُمُورٍ لَا نَعْلَمُهَا فَمِنْ الْمَعْلُومِ كَوْنُ الْمَدِينَةِ مُهَاجَرَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَأَمَّا تَفْضِيلُ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ فَبِأُمُورٍ نَعْلَمُهَا وَأُمُورٍ لَا نَعْلَمُهَا وَذَكَرَ أُمُورًا مِمَّا تُفَضَّلُ بِهَا الْمَدِينَةُ) قُلْت: لَمْ يَزِدْ عَلَى حِكَايَةِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَإِيرَادِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّاجِحَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ كَثِيرَةٌ هُوَ كَمَا قَالَ، وَقَوْلُ مَنْ ادَّعَى حَصْرَ التَّفْضِيلِ فِي الثَّوَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَمَا قَالَهُ مِنْ قَصْدِهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ إنْ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمَفْضُولَ قَدْ يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ عَنْ الْفَاضِلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهُ بِهِ فَالْأَذَانُ يَفِرُّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ دُونَ الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ نَعَمْ حَدِيثُ الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ نَصٌّ فِي تَفْضِيلِهَا إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ.

(الْمُهِمُّ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّفْضِيلِ قَدْ تَتَعَارَضُ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ مَنْ حَازَ أَكْثَرَهَا وَأَفْضَلَهَا وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْمَجْمُوعَاتِ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَفْضُولُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ الْجَمِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَفِرُّ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَكَاخْتِصَاصِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُلْكِ الْعَظِيمِ وَنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِنْذَارِ الْمِئِينَ مِنْ السِّنِينَ وَآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ أَبَا الْبَشَرِ مَعَ تَفْضِيلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَمِيعِ وَكَاخْتِصَاصِ الْجِهَادِ بِثَوَابِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهِمَا ذَلِكَ وَكَاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا بَلْ وَالتَّبِعَاتِ كَمَا عَلِمْت مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَكَاخْتِصَاصِ مَكَّةَ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّ الْمَدِينَةَ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَفْضَلُ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» فَيُحْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» عَلَى ظَاهِرِهِ لِلزِّيَادَةِ وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَنْطُوقٌ وَقَعَ صَرِيحًا فَلَا يُعَارِضُهُ مَفْهُومُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِدُونِ الْأَلْفِ أَيْ بِتِسْعِ مِائَةٍ وَعَلَى غَيْرِهِ بِأَلْفٍ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِثْنَاءٍ فِي مَبْنَاهُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَصْلُ فِيمَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ بَلْ قَدْ مَرَّ عَنْ الرَّهُونِيِّ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ بَابَا أَنَّ حَدِيثَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْ فِي: تَفْضِيلُ مَسْجِدِ مَكَّةَ يَدْفَعُ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِدُونِ أَلْفٍ، أَوْ بِتَأَوُّلِهِمَا فَلِذَا قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>