للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَكَفَالَةُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ هَاتَيْنِ النِّيَّتَيْنِ وَأَمَّا إنْ رَفَعَ فَتَقْدِيرُهُ مَعَادُ اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْإِنْشَاءِ لِلْقَسَمِ بِهَا إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ شَيْءٌ فَإِنَّ كُلَّ قَسَمٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِنْشَاءِ فَمَتَى عُدِمَ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَكُنْ قَسَمًا لِأَنَّ الْخَبَرَ بِمَا هُوَ خَبَرٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً وَلَا هُوَ قَسَمٌ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ هُوَ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَلِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَإِنْ خَفَضَ كَانَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ مِنْ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا حَاشَا لِلَّهِ فَمَعْنَاهُ بَرَاءَةٌ لِلَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَيُحْتَمَلُ هَذَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ وَذَلِكَ التَّبَرُّؤ قَدِيمٌ وَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَتُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنْ وُجِدَتْ نِيَّةٌ لِذَلِكَ رُتْبَةٌ أُخْرَى فِي الْقَسَمِ بِهِ أَوْ عُرْفٌ يَقُومُ مَقَامَهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّ فِي مِثْلِ مَعَادَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ أَبِي يُونُسَ لَمْ يَنْقُلْ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ مَعَ النِّيَّةِ إلَّا فِي مَعَادَ اللَّهِ خَاصَّةً: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وَكَذَلِكَ بُغْضُهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» وَكَذَلِكَ رَأْفَتُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: ٩] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي حَقَائِقُهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ وَلَمَّا اسْتَحَالَتْ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَمْتَنِعُ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ امْتِنَاعِ حَقَائِقِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالٌ لَكِنْ عَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

افْتِرَاءِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَاذَا عَلَى الشَّخْصِ إذَا لَقِيَ رَبَّهُ جَازِمًا بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا عِلْمَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَيْهِ لَكِنْ اشْتَهَرَ عِنْدَ النَّاسِ كَلَامُ الْجَمَاعَةِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَهَلْ أَنَا إلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ ... . غَوَيْت وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدْ

قَالَ وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْيَوَاقِيتِ يَتَلَخَّصُ مِنْ جَمِيعِ كَلَامِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّ الصِّفَاتِ عَيْنٌ لَا غَيْنٌ كَشْفًا وَيَقِينًا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ.

ثُمَّ قَالَ الْأَمِيرُ بَعْدَ أَوْرَاقٍ قَالَ الشَّمْسُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الصَّحَائِفِ وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِ صِفَاتِ الْمَعَانِي لَيْسَتْ بِغَيْرِ الذَّاتِ كَمَا لِلْجُمْهُورِ أَوْ غَيْرِهَا نَظَرًا لِلْمَفْهُومِ وَزِيَادَةِ الْوُجُودِ وَإِنْ لَمْ تَنْفَكَّ كَمَا لِبَعْضِهِمْ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ وَلِكَوْنِ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ غَيْرَ أَوْقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ التَّسَمُّحُ بِإِضَافَةِ مَا لِلذَّاتِ لَهَا نَحْوُ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّامُ لِلْأَجْلِ أَيْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِذَاتِهِ لِأَجْلِ قُدْرَتِهِ وَإِلَّا فَعِبَادَةُ مُجَرَّدِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِشْرَاكِ كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ مُجَرَّدِ الذَّاتِ فِسْقٌ وَتَعْطِيلٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ ذَاتٌ لَا سَبِيلَ لَهَا وَإِنَّمَا حَضْرَتُهَا وَحْدَةٌ مَحْضَةٌ حَتَّى قَالُوا إنَّ فِي قَوْلِهِمْ فِي الذَّاتِ تَسَمُّحًا لِأَنَّ بِتَجَلِّيهَا يَتَلَاشَى مَا سِوَاهَا وَإِنَّمَا الْآثَارُ مَمْسُوكَةٌ بِالصِّفَاتِ فَكَيْفَ تُنْفَى وَإِذَا وَصَلَ الْعَارِفُ لِوَحْدَةِ الْوُجُودِ فِي الْكَوْنِ فَلَا يُتَوَقَّفُ فِي التَّوْحِيدِ مَعَ ثُبُوتِ الصِّفَاتِ وَلَا يُعْقَلُ افْتِقَارٌ فِي ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالْكَمَالَاتِ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سَبَقَ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ يَعْنِي قَوْلَهُ فِي بَابِ الْأَسْرَارِ بِنَاءً عَلَى مَيْلِهِ لِنَفْيِ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ تُسَمَّى الصِّفَاتُ أَسْمَاءً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠] وَمَا قَالَ فَصِفُوهُ بِهَا فَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ الْمُمْكِنَةِ لِلْعَالِمِ سَمَّاهُ وَلَمْ يَصِفْهُ قَالَ وَلَمْ يَرِدْ لَنَا خَبَرٌ فِي الصِّفَاتِ إلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: ١٨٠] فَنَزَّهَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ الصِّفَةِ لَا عَنْ الِاسْمِ فَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالِاسْمِ لَا بِالصِّفَةِ كَمَا فِي يَوَاقِيتِ الشَّعْرَانِيِّ أَوَاخِرَ الْمَبْحَثِ الْحَادِي عَشَرَ فَتَأَمَّلْ بِتَدْقِيقٍ فَهُوَ غَايَةُ التَّحْقِيقِ.

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>