للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَفِي الثَّانِي الْعِقَابُ نَفْسُهُ فَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الشَّيْخِ إرَادَتُهُ الْعِقَابَ وَعِنْدَ الْقَاضِي الْعِقَابُ وَكَذَلِكَ الرَّحْمَةُ هَلْ هِيَ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَرِضَاهُ تَعَالَى إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاضِي فَيُحْسِنُ إلَيْهِمْ أَيْ يَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ وَمَحَبَّتُهُ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] وَالْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ الرِّضَى بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧] فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا اقْتِرَانُهَا بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إلَى قَوْلِهِ وَبَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ) قُلْت مَا قَالَهُ وَحَكَاهُ صَحِيحٌ قَالَ (وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ تَعَالَى دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ) قُلْت لَيْسَ شَرْعُ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامَهُ بَلْ شَرْعُهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَحْكَامُ وَهِيَ الَّتِي يَلْحَقُهَا النَّسْخُ إلَى بَدَلٍ وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ لَا لِبَدَلٍ وَلَا لِغَيْرِ بَدَلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى رَبَّنَا وَسِعْت كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَهَذَا ظَاهِرُهُ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ اقْتِرَانُهَا بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ) قُلْت لَيْسَ كَلَامُهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ وَالظَّاهِرُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا حَيْثُ يَسُوغُ اسْتِعْمَالُ الظَّوَاهِرِ وَذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَقَالَ إنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْوُسْعِ بِعُمُومِ التَّعَلُّقِ وَلَيْسَ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ كَتَعَلُّقِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ وَالْمُحَالِ وَالْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْجَائِزِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَا اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ بِالْقَسَمِ أَوْ الْإِقْسَامِ (وَهَذَا الْقِسْمُ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَلِأَجْلِهِ سِيقَ الْفَرْقُ أَمَّا الْقَسَمُ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ مَعَ زِيَادَتِهِ مِنْ الْأَصْلِ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ مِنْهَا مَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُقْسَمَ بِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ بِهِ وَاخْتَلَفُوا أَيُّ الْأَشْيَاءِ هِيَ الْمُتَّصِفَةِ بِالْجَوَازِ وَالْمُتَّصِفَةُ بِعَدَمِهِ فَقَالَ قَوْمٌ إنَّ الْحَلِفَ الْمُبَاحَ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَأَنَّ الْحَالِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ عَاصٍ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَمْنُوعٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ.

وَقَالَ قَوْمٌ بَلْ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِكُلِّ مُعَظَّمٍ بِالشَّرْعِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْحَلِفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَأَقَلُّهُ التَّحْرِيمُ وَبِمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَعْبَةِ وَالْآبَاءِ مَكْرُوهٌ اهـ.

وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِينَ قَالُوا إنَّ الْأَيْمَانَ الْمُبَاحَةَ هِيَ الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ الْأَيْمَانِ بِأَسْمَائِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي بِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُعَظَّمَةِ بِالشَّرْعِ أَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ حَيْثُ حَلَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ السَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» فَقَدْ حَلَفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَبِي الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ مُعَارِضَانِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت» فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إمَّا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَرَبِّ النَّجْمِ وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ.

وَكَذَا الْبَوَاقِي فَمَا وَقَعَ الْحَلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ وَإِمَّا أَنَّ إقْسَامَهُ تَعَالَى بِهَا تَنْبِيهٌ لِعِبَادِهِ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْخَلْقِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ الْحَجْرُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْمَلِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَأْمُرُ بِمَا يَشَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>