للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ.

وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: ٩٨] إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ إحْسَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٣] يَحْتَمِلُ فِي الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِحْسَانَ أَوْ الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ يَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَقْرَبُ مِنْ مَذْهَبِ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ.

وَإِذَا رَقَّ طَبْعُك عَلَى إنْسَانٍ فَإِنْ هَذِهِ الرِّقَّةَ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ اللُّزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ فَلِذَلِكَ تَجَوَّزَ الْعُلَمَاءُ إلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ الْإِرَادَةُ فَإِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّيْخِ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ قَدِيمَةً يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي كَانَتْ مُحْدَثَةً لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَعْنِي لِأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِرَادَةُ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا بِطَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ هَلْ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوْ تَتَّحِدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأَيْمَانِ التَّأْكِيدُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ أَوْ قَاعِدَةُ الْجَمِيعِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ وَهَذَا هُوَ الْأَنْظَرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: ٩٨] إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ الْإِحْسَانُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ) قُلْت وَكَلَامُهُ هُنَا أَيْضًا لَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ مُحْتَمِلٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيمَا قَالَهُ فَأَيْنَ تَعَيُّنُ مَذْهَبِ الْقَاضِي مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ.

قَالَ (وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٣] إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا رَجَّحَ بِهِ مَذْهَبَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ أَيْضًا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ وَلَا نَكِيرٍ فَيُحَرِّمُ عَلَى عِبَادِهِ مَا يَشَاءُ دُونَ أَنْ يُحَرِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ إمَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَإِمَّا أَنَّ لَفْظَةَ وَأَبِيهِ فِيهِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْحَلِفُ بَلْ التَّوْطِئَةُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشْجَعَهُ وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَرَبَ لَمْ يُرِيدُوا الدُّعَاءَ بِالْقَتْلِ وَلَا بِالْفَقْرِ الَّذِي يَكُنِّي عَنْهُ بِالْإِلْصَاقِ بِالتُّرَابِ تَقُولُ الْعَرَبُ الْتَصَقَتْ يَدُهُ بِالْأَرْضِ وَبِالتُّرَابِ إذَا افْتَقَرَ وَإِنَّمَا أَرَادُوا تَوْطِئَةَ الْكَلَامِ أَوْ إنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ فِي رِوَايَتِهِ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا قَالَ الْأَيْمَانُ الْمُبَاحَةُ هِيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يُعَظِّمَ مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ الشَّرْعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيهِ «أَلَا إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» وَأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ أَجَازَ الْحَلِفَ بِكُلِّ مُعَظَّمٍ فِي الشَّرْعِ فِي سَبَبِ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي بِنَاءِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ اهـ.

وَعَلَى الْجَمْعِ الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ حَيْثُ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَرُمَ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ مَا نَصُّهُ وَإِقْسَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّجْمِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ وَبِأَسْرَارِهِ الَّتِي يَعْلَمُهَا فِي أَفْعَالِهِ تَنْبِيهًا عَلَى عَظَمَتِهَا وَلِسَرَيَانِ سِرِّ الْحَقِّ فِيهَا مِنْ غَيْرِ حُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ فَإِنَّهَا مَظَاهِرُهُ مَعَ تَنَزُّهِهِ كَمَا يُعْلَمُ وَنَحْنُ لِوُقُوفِنَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَبْسِنَا مَعَ غَيْرِيَّتِهَا نُهِينَا وَلَمَّا ذَاقَ مَنْ ذَاقَ شَيْئًا مِنْ وَحْدَةِ الْوُجُودِ فَأَطْلَقَ لِسَانَهُ حَصَلَ لَهُ مَا حَصَلَ وَلِذَلِكَ يُشِيرُ {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: ٧٥] {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: ٧٦] أَيْ لَوْ تَعْلَمُونَ سَرَيَانَ سِرِّ الْحَقِّ فِيهَا وَأَنَّهَا مَظَاهِرُهُ وَلَمَّا كَانَ هُوَ الْعَالِمُ بِذَلِكَ أَقْسَمَ تَارَةً بِهَا وَتَارَةً بِفَاعِلِيَّتِهِ لَهَا فَقَالَ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: ٢] {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: ٣] وَتَارَةً جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس: ٦] {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: ٧] {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨] .

وَلِلَّهِ دَرُّ الْجُزُولِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَقْسَامِ الاستعطافية فِي دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ وَبِالِاسْمِ الَّذِي وَضَعْته عَلَى اللَّيْلِ فَأَظْلَمَ وَعَلَى النَّهَارِ فَاسْتَنَارَ إلَى مَا آخِرِ مَا قَالَ فَالْوَضْعُ مَعْنَوِيٌّ أَيْ إنَّ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>