وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا يَقُلْهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً.
وَإِنَّمَا حُمِلَتْ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ مَجَازًا وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْإِرَادَةِ بَلْ مَجَازٌ خَفِيٌّ دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَنْصَرِفُ لِمَجَازَاتِهَا الْخَفِيَّةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَزَالُ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ مَجَازِهِ الْمَرْجُوحِ حَتَّى تَصْرِفَهُ نِيَّةُ الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ فَإِلْزَامُ الْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَخَرِّجْ جَوَابَكَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ تَقُولُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ وَاجِبَا الْوُجُودِ أَزَلِيَّانِ صِفَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي تَقُولُ لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ حَادِثَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرِدُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا وَقَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ بِمُسْتَقِيمٍ لِقَوْلِهِ تَقُولُ قَائِمًا بِذَاتِهِ وَاجِبًا الْوُجُودَ أَزَلِيَّانِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ إرَادَةُ الثَّوَابِ وَالْغَضَبَ إرَادَةُ الْعِقَابِ وَالْإِرَادَةُ وَاحِدَةٌ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهَا كَإِرَادَتِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ عِنْدِي بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَظَاهِرُ تَجَلِّيهِ وَنُكْتَةٌ أُخْرَى إنَّمَا نُهِينَا عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي حَلِفِهِمْ بِأَسْمَاءِ آلِهَتِهِمْ وَهَذَا فِي إقْسَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ مُضَافًا أَيْ وَرَبِّ النَّجْمِ وَلِلزَّمَخْشَرِيِ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَسَمِ إلَى مُجَرَّدِ تَوْكِيدِ الْكَلَامِ وَحَمَلَ الْقَرَافِيُّ عَلَى ذَلِكَ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَنْقُصُ وَلَا أَزِيدُ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَأَبِيهِ» نَظِيرُ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ تَرِبَتْ يَمِينُك وَقَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَكْرَمَهُ اُنْظُرْ ح اهـ.
وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَنْعِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَبِأَفْعَالِهِ فَهُوَ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْتَصَرُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا جَاءَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ فِيهِ بِالِاسْمِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ أَوْ يَتَعَدَّاهُ إلَيْهِمَا لَكِنْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْحَدِيثِ بِالِاسْمِ فَقَطْ جُمُودٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مَرْوِيًّا فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ فَالْقَوْلُ بِمَنْعِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَبِأَفْعَالِهِ ضَعِيفٌ وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ بِصِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك اهـ.
وَأَمَّا الْحَلِفُ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ وَحَاشِيَتِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَنْعَقِدُ بِنَحْوِ الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمَذْهَبُ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ أَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ أَوْ يُرِيدُ مَصْدَرَهَا وَمُنْشَأَهَا وَهُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ الِاقْتِدَارُ الرَّاجِعُ لِلصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَيْ كَوْنُهُ قَادِرًا إذْ الْمَعْنَوِيَّةُ يَنْعَقِدُ بِهَا جَزْمًا وَلَا عِبْرَةَ بِتَنْظِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا فَقَدْ رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ الْأَبِيُّ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ وَالْبَنَّانِيِّ وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِهَا لَيْسَتْ مَعَانِيَ مَوْجُودَةً خِلَافًا لِلْبُنَانِيِّ تَبَعًا لِابْنِ عَاشِرٍ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالسُّلُوبِ لِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ وَلَيْسَتْ مَعْنًى مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ وُجُودَ صِفَاتِ الْمَعَانِي أَعْنِي كَوْنَهَا مَعْنًى مَوْجُودًا فِيهِ خِلَافٌ طَوِيلٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَرْقِ وَإِنْ قَالَ بِهِ