للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَكَلِّمِ فَمَتَى دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِ النِّيَّةِ قَبْلَهُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ، وَبَيَانُ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ مِنْ وُجُوهٍ

(أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ أَوْ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَى الْإِتْيَانِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا فِي حَالِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَإِنِّي لَا أُلْزِمَكُمْ الْإِتْيَانَ بِهِ فِيهَا لِقِيَامِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ

وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: ٥] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: ٢] أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ لَهْوِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حَالَةِ اللَّهْوِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْإِثْبَاتِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ بِالنَّفْيِ وَالْأَحْوَالُ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً فَإِنْ كَانَتْ الْأَحْوَالَ اللَّازِمَةَ فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْعَوَارِضِ وَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعَوَارِضِ دَخَلَتْ فِي اللَّوَازِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْعَارِضَ أَبْعَدُ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً مِنْ اللَّازِمِ ضَرُورَةً فَإِذَا تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعِيدِ أَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْقَرِيبِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَارِضِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمُطَابَقَةِ

(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ قَصْدٌ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ بَلْ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ وَدَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ صُورَةِ النِّزَاعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ

(أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣] وَالْمَدْلُولُ مُطَابَقَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَحْرُمُ بَلْ الْأَفْعَالُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا وَهِيَ الْأَكْلُ وَالتَّنَاوُلُ فَقَدْ قُصِدَتْ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَارِنٍ بَلْ الْأَدِلَّةُ الْخَارِجَةُ أَفَادَتْنَا ذَلِكَ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً حَصَلَ الْمَقْصُودُ لِوُجُوهِ تُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهَا بِإِضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ النِّيَّةَ تُعَيَّنُ فِي كُلِّ عَيْنِ الْفِعْلَ الْمُنَاسِبَ لَهَا فَتُعَيِّنُ فِي الْخَمْرِ الشُّرْبَ وَفِي الْمَيْتَةِ الْأَكْلَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَعْيَانِ الْوَارِدَةِ فِي النُّصُوصِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَقْصُودَةُ عَارِضَةً وَقَدْ تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي اللَّازِمِ لِأَنَّ اللَّازِمَ أَقْرَبُ لِلْمُطَابَقَةِ مِنْ الْعَارِضِ

(وَثَانِيهَا) قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] وَالْمُرَادُ الِاسْتِمْتَاعُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِنَّ دُونَ أَعْيَانِهِنَّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ

(وَثَالِثُهَا أَنَّهُ قَصَدَ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا إلَى قَوْلِهِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] دَلَالَةُ الْتِزَامٍ بِصَحِيحٍ بَلْ هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عُرْفًا وَكَانَتْ الدَّلَالَةُ قَبْلَ الْعُرْفِ بِلَفْظِ الْمَيْتَةِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى الْمَيْتَةِ نَفْسِهَا ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ الْعُرْفِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى أَكْلِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلَالَةٍ عُرْفِيَّةٍ إنَّمَا هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عَلَى مَا صَارَتْ فِيهِ عُرْفًا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْقَسَمِ صَرَفَتْ اللَّفْظَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ مَالِكٍ بَيْنَ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالتَّنْزِيلِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُحْدَثُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لِلَفْظِ عَلِمَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ وَحَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَفْظُ عِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت كِنَايَةٌ تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ وَالْإِخْبَارَ اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ الْأَظْهَرُ نَظَرًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْهَا اهـ.

وَقَالَ الْأَصْلُ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لَهُ نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَجِبُ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ اهـ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

الصَّحِيحُ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا أَمْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَيْسَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَكَذَا الْإِضَافَةُ فِي اللُّغَةِ لِلْعُمُومِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخَاصِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: ١٥] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٦] أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِيهِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ فَكُلُّ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>