وَبَيْنَ مَا لَا يَتَرَتَّبُ (وَأَمَّا) تَهْوِيلُ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ الطَّلَاقُ حِلٌّ وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ وَالْحِلُّ لَا يَكُونُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبِمَا يَرْوُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ فَمَا قُلْنَا بِالْحِلِّ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّ طَلَاقَ ابْنِ آدَمَ وَعِتْقَهُ إنَّمَا وَقَعَا فِيمَا مَلَكَهُ وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ التَّعْلِيقُ وَرَبْطُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ لَا نَفْسُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ)
اعْلَمْ أَنَّ الْإِيجَابَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ التَّامَّ تَقَدَّمَهُ وَقِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ جُزْءُ السَّبَبِ وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَهُ سَبَبٌ تَامٌّ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إجْمَاعًا عَنْ السَّبَبِ كَالْخِيَارِ فِي عُيُوبِ النِّكَاحِ وَعُيُوبِ السِّلَعِ فِي الْبَيْعِ وَمَضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَخِيَارِ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْآيَةِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَلَيْسَ فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِنَّ اخْتِصَاصُهُنَّ نَعَمْ الْأَصْلُ الِاخْتِصَاصُ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ قَدْ قَامَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ
(وَعَنْ الْوَجْهِ الرَّابِعِ) بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ بَلْ إنَّمَا يَقُولُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا وَكَوْنُ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ هُوَ الزَّوْجُ دُونَ الْمَرْأَةِ مُسَلَّمٌ إلَّا أَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا كَالْحَمْلِ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقَانِ فَافْهَمْ
(وَعَنْ الْوَجْهِ الْخَامِسِ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَخْ فَإِنَّ كَوْنَ بِنْتِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حِجْرِ زَوْجِ الْأُمِّ غَالِبٌ عَلَى وُقُوعِ تَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِ الْأُمِّ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِهَا لَهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ فَافْهَمْ أَوْ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرُورَةِ الْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُنَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا فِي الْغَالِبِ لَا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُ قَيْدِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فِي الْحَدِيثِ حُجَّةً إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَأَنَّهُ إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَاحْتِجَاجُ دَاوُد بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ لِقَوْلِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ يُسْتَأْذَنُ وَيَتَوَلَّى الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا الْوَلِيُّ فَبِمَاذَا وَلَيْتَ شِعْرِي تَكُونُ الْأَيِّمُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا لَكِنَّ احْتِجَاجَهُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ الْتِزَامِ الظَّوَاهِرِ إمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَلْتَزِمُهَا فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى ذَلِكَ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي السُّكُوتِ وَالنُّطْقِ فَقَطْ وَيَكُونُ السُّكُوتُ كَافِيًا فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَيِّمُ أَحَقُّ إلَخْ الْأَيِّمُ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا قَطُّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ خَصَّهُ بِالثَّيِّبِ وَالْأَظْهَرُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ بِدُونِ تَخْصِيصٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا إنْكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهِ مِمَّنْ تَرْضَاهُ وَلَيْسَ لَهَا هِيَ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا نِكَاحًا وَلَا تُبَاشِرُهُ وَلَا أَنْ تَضَعَ نَفْسَهَا عِنْدَ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَا أَنْ تُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَ وَلِيِّهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَقٌّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَوَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ أَنَّهَا إنْ كَرِهَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ بِوَجْهٍ وَإِنْ كَرِهَهُ الْوَلِيُّ وَرَغِبَتْهُ الْأَيِّمُ عُرِضَ عَلَى الْوَلِيِّ الْعَقْدُ فَإِنْ أَبَى عَقَدَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ السُّلْطَانُ فَهَذَا وَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ مِنْ وَلِيِّهَا وَفِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ إلَخْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُرَادُ بِهَا الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا لَا الَّتِي لَهَا أَبٌ وَإِنْ رَوَى زِيَادٌ هَذَا