للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَكِّيِّ يَحُجُّ بِغَيْرِ مَالٍ، بَلْ عُرُوضُ الْمَالِ فِي الْحَجِّ كَعُرُوضِ الْمَالِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ دَارُهُ بَعِيدَةٌ عَنْ الْمَسْجِدِ فَيَكْتَرِي دَابَّةً يَصِلُ عَلَيْهَا لِلْمَسْجِدِ وَلَمَّا لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ عَنْ الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَلِلشَّافِعِيِّ الْفَرْقُ بِأَنَّ عُرُوضَ الْمَالِ فِي الْحَجِّ أَكْثَرُ وَلِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ الْحَجِّ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْضَى يُحْرِمُ عَنْهُمْ غَيْرُهُمْ وَيَفْعَلُ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَالْعِبَادَاتِ أَمْرٌ مُتَّبَعٌ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا فَرَّطَ فِيهِ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَذْهَبِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) عِتْقُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِ غَيْرِهِ عَلَى جُعْلٍ جَعَلَهُ لَهُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْجُعْلُ وَلَا يُجْزِئُهُ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجُعْلِ وَضِيعَةٌ عَنْ الثَّمَنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ هِبَتُهُ فَبَيْعُهُ أَوْلَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلِأَشْهَبَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَذِنَ فِي الْعِتْقِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ ظِهَارِ الْغَيْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ أَبًا لِلْمُعْتِقِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحَقُّ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

أَجَابَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى لِزَوْجِهِ جُمْلَةَ حَوَائِجَ مِنْ قَصَبِ ذَهَبٍ وَثَوْبَيْ حَرِيرٍ وَعِقْدِ جَوْهَرٍ وَفَرْخَةِ شُرْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَدَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِزَوْجِهِ الْمَذْكُورَةِ وَأَلْبَسَهَا إيَّاهَا عَلَى وَجْهِ الْمُتْعَةِ لَا التَّمْلِيكِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَى قَطِيفَتَيْنِ وَمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ الزَّوْجَةُ تَلْبَسُ مَا سَاقَ لَهَا وَتَتَزَيَّنُ وَتَمْتَهِنُ الْقَطِيفَتَيْنِ وَالْمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مُدَّةً أَزْيَدَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْقَرِيبَةِ قَامَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ فِي جُمْلَةِ مَا ذُكِرَ وَيَدَّعِيهِ مِلْكًا لِمُوَرِّثِهِ فَهَلْ يَجِبُ لِذَلِكَ الطَّالِبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَسُكُوتِ الزَّوْجِ مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِهَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَدَفْعِهِ أَوَّلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِمَا نَصَّهُ إنْ يَثْبُتْ أَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَ زَوْجَهُ تِلْكَ الْحَوَائِجَ كَانَتْ لَهَا وَإِلَّا حَلَفَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهَا وَوَقَعَ فِيهَا الْمِيرَاثُ وَأَنَّ أَبَا عُثْمَانَ سَعِيدَ بْنَ ضُمَيْرٍ أَجَابَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا جِهَازٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَتَدْخُلُ عَلَى جِهَازِ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ وَيَشْتَرِي الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَيُقِيمُ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْتَاعَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِزَمَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ. وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَتَتَزَيَّنُ بِهِ فَيَنْزِلُ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ أَوْ مَوْتٌ فَتَدَّعِي الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ

بِمَا نَصَّهُ لَيْسَ لَهَا مِمَّا ذَكَرَتْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِهِ مِنْ بَيْتِهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهَا وَأَفَادَتْ مَالًا وَعُرِفَ ذَلِكَ وَاسْتَبَانَ وَاتَّضَحَ وَأَنَّهُ يَكُونُ كَمَا وَصَفَتْ وَمَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالٌ وَلَا تَصَدَّقَ عَلَيْهَا وَلَا أَفَادَتْ فَلَيْسَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ أَرَدْت جَمَالَ بَيْتِي وَجَمَالَ امْرَأَتِي وَزَيَّنْتهَا بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقِيلَ لِابْنِ ضُمَيْرٍ فَمَا تَرَى إنْ قَالَتْ إنِّي اكْتَسَبْته وَجَمَعْته فَقَالَ لَيْسَ يُعْرَفُ الْكَسْبُ لِلنِّسَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَيُعْرَفُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ مَا تَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا يُعْرَفُ لَهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ قَبْلِ دُخُولِهَا عَلَيْهِ وَأَجَابَ ابْنُ لُبَابَةَ أَمَّا مَا عُرِفَ مِمَّا ابْتَاعَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِامْرَأَتِهِ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ مَتَاعٍ يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ وَيُزَيِّنُ امْرَأَتَهُ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْهِدْ لَهَا عَلَى عَطِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَيْضًا وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِيَةِ فِيهِ وَالْوَرَثَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا. اهـ

وَفِي نَوَازِلِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْمِعْيَارِ فِي جَوَابٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ مَا نَصُّهُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي الثِّيَابِ أَنَّ زَوْجَهَا سَاقَهَا لَهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ بِأَعْيَانِهَا مِنْ جُمْلَةِ السِّيَاقَةِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهَا عَلَى الْخُصُوصِ فَإِنْ لَمْ تُقِمْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ تِلْكَ الثِّيَابَ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ وَلَا مَتَاعِهَا إلَى آخِرِ نَصِّ الْيَمِينِ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا لَهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ كِسْوَةَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ فِرَاقِهَا إذَا كَانَتْ مُبْتَذَلَةً فَإِنْ لَمْ تُبْتَذَلْ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا فَهَذِهِ الثِّيَابُ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَدْ ابْتَذَلَتْهَا فَهِيَ لَهَا وَإِلَّا صَارَتْ مِيرَاثًا اهـ.

وَأَمَّا مَعْنًى فَلِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ خُرُوجِ مِلْكِهِ مِنْ يَدِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَجِبُ أَنْ يُجَمِّلَ زَوْجَتَهُ لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَخْشَى أَنْ يُمَلِّكَهَا ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ أَوْ يَمُوتَ فَتَذْهَبَ بِمَالِهِ لِزَوْجٍ آخَرَ فَيَجْعَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>