السَّبَبِ بِكَمَالِهِ بِدُونِ آثَارِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وَقِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ وَالْفَرْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ فَيَفْتَقِرُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَى عَقْدٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلسِّلْعَةِ لَا جَالِبٌ لَهَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ فِي الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَفَعَ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّتَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك فَكَانَ إذَا اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ، وَعَنْ الثَّالِثِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ اهـ.
الْمُقْتَضِي جَوَازُ بَيْعِهَا غَائِبَةً جُزَافًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ الْغَائِبِ هَلْ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي شَرَطَ لَهُ أَئِمَّتُنَا الشُّرُوطَ الْمَعْرُوفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ أَوْ هُوَ أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ خَارِجٌ عَنْ الْجُزَافِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّة وَالْمَجَازِ الْعُرْفِيِّ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَهُوَ كَبَيْعِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ الرَّهُونِيُّ لِوَجْهَيْنِ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يَتَّضِحُ بِهِ مَا. رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَدِينَةِ وَسَلَّمَهُ وَيَظْهَرُ وَجْهُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَوَّلًا اعْتِرَاضُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْإِمَامِ بِأَنَّ تَفْرِقَتَهُ بَيْنَ حَوَائِطِ الثَّمَرِ الْغَائِبَةِ يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرِهَا جُزَافًا.
وَكَذَا الزَّرْعُ الْغَائِبُ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا بِشَرْطِ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ تَفْرِقَةً لَا حَظَّ لَهَا مِنْ النَّظَرِ وَثَانِيًا اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِهِمْ الرُّؤْيَةَ لِلْجُزَافِ حِينَ الْعَقْدِ مَعَ قَبُولِهِمْ قَوْلَ الْإِمَامِ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَالثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَذَلِكَ غَائِبٌ تَنَافِيًا قَالَ الرَّهُونِيُّ وَجَوَابُ الْحَطَّابِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ عَدَمُ حُضُورِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ حَالَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا جُزَافًا لِظُهُورِ التَّغَيُّرِ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ سَلَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ عِنْدَ مَنْ اشْتَرَطَهَا حُصُولُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَبِيعِ وَانْتِفَاءُ الْجَهَالَةِ عَنْهُ حِينَ حُصُولِ الْعَقْدِ وَانْبِرَامِهِ، وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الصُّبْرَةُ وَالزَّرْعُ الْقَائِمُ وَالثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ وَكَوْنُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ إذَا أُخِذَ مِنْهُمَا شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُدْرَكُ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ شَيْءٌ آخَرُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِ النَّقْصِ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ وَقَعَ فِيهِمَا مَعْرِفَةُ قَدْرِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَغَايَةُ مَا يُدْرَكُ إذْ ذَاكَ إنَّ هَذَا الْمَبِيعَ الْآنَ نَقَصَ عَنْ حَالِهِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْعَقْدِ وَهَلْ الْأَخْذُ مِنْهُمَا وَقَعَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَلْ نَقَصَ مِنْهُمَا قَدْرُ وَسْقٍ مَثَلًا أَوْ مَا أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا أَنَّهُ يُدْرِكُ بِذَلِكَ قَدْ كَانَا رَمَّا عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ مَعْرِفَةً حَادِثَةً مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْعَقْدِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ قَطْعًا وَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْفَسَادُ لِلْجَهَالَةِ الْوَاقِعَةِ حِينَ الْعَقْدِ، وَهَذَا أَمْرٌ بَدِيهِيٌّ عِنْدَ مَنْ لَهُ فِي الْإِنْصَافِ أَدْنَى نَصِيبٍ اهـ قَالَ كنون وَفِي نَظَرِهِ نَظَرٌ تَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الرَّهُونِيُّ وَجَوَابُ مَنْ كَتَبَ عَلَى طُرَّةِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِمَا نَصُّهُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ عَلَى رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ آخِرَ الْجُعْلِ مِنْ تَنْبِيهَاتِهِ اهـ. وَجَوَابُ شَيْخِنَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ فِي التَّحْصِيلِ وَالْبَيَانِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَاعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ مَدْفُوعٌ اهـ.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ وَنَصُّهُ اُنْظُرْ إنْ كَانَ حَبًّا فَيَجُوزُ عَلَى الْكَيْلِ إذَا كَانَ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَإِنْ كَانَ جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ اُنْظُرْ تَمَامَهُ اهـ.
كُلُّهَا تَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَمَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْوَاضِحَةِ مِنْ أَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ عَلَى الْعَقْدِ كَافِيَةٌ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ وَبَحْثُ ابْنُ عَرَفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُخْتَارِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ لِأَنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الْحَطَّابُ وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَشَيْخُنَا ج وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْبَحْثَ الْمَبْنِيَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْوَاقِعَةِ حِينَ الْعَقْدِ لَا يَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الرُّؤْيَةُ مُطْلَقًا فَالْمُنَافَاةُ حَاصِلَةٌ قَطْعًا لَا تَنْدَفِعُ بِهَا فَكَيْفَ يُحْمَلُ بِمَنْ سَلَّمَ مَا لِلْحَطَّابِ تَبَعًا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنْ يُقْبَلَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ اهـ. وَسَلَّمَهُ كنون
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّ حَدَّهُ لِلْجُزَافِ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِقَوْلِهِ فِي حَدِّهِ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ إلَخْ إذْ لَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِ مَا ذُكِرَ حِينَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي ثَانِي حَالٍ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي نَقْلِ التَّوْضِيحِ فَأَمَّا الْمُدَوَّنَةُ فَفِيهَا إلَخْ، وَأَمَّا كَلَامُ غَيْرِهِمَا فَفِي ضَيْح إلَخْ وَسَاقَ النُّصُوصَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَانْظُرْهُ
(الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعُ جَاهِلَيْنِ بِقَدْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ إذْ عُدُولُهُمَا عَنْ