للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجْرَى الْفُلُوسَ مَجْرَى النَّقْدَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا جَعَلَهَا كَالنَّقْدَيْنِ وَمُنِعَ الْبَدَلُ فِي الصَّرْفِ إذَا وُجِدَ بَعْضُهَا رَدِيئًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَوُجِدَتْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَعْضُ الْفُلُوسِ رَدِيئًا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفُلُوسَ يُكْرَهُ الرِّبَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ الْمُشَخَّصَاتُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ فِيهِ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةَ عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةً يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا وَإِنْ عَيَّنْت جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَجْرَاهُ مَجْرَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ صُورَةِ التَّأَخُّرِ فِي الْقَبْضِ وَإِنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْمُعَاوَضَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّعْيِينِ، وَالتَّعَيُّنُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ دَيْنًا، فَلَيْسَ هَا هُنَا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَوْجَهُ

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ التَّقْسِيمِ لَا هُوَ مُعَيَّنٌ مُطْلَقًا وَلَا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مُطْلَقًا، بَلْ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَشْبَهَ مَا فِي الذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى جِنْسٍ، بَلْ عَلَى مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَبِيعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ سَلَمٌ فِي الذِّمَّةِ وَغَائِبٌ عَلَى الصِّفَةِ وَحَاضِرٌ مُعَيَّنٌ فَهَذِهِ أَقْسَامُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَبْسُوطٌ.

(الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ) وَالضَّابِطُ عِنْدَنَا لَهُ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَصَرَهُ أَرْبَابُ الظَّاهِرِ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَقَالُوا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] ، وَجَوَابُهُمْ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا صِنْفٌ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِذَلِكَ الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ السَّرَفِ كَانَ الْعَدْلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهَا تَعَامُلٌ لِكَوْنِ مَنَافِعِهَا غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ وَالتَّعَامُلُ إنَّمَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ فَحِينَئِذٍ مُنِعَ التَّفَاضُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي الْمَكِيلَةَ وَالْمَوْزُونَةَ لَهُ عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا وُجُودُ الْعَدْلِ فِيهَا وَالثَّانِيَةُ مَنْعُ الْمُعَامَلَةِ إذْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مِنْ بَابِ السَّرَفِ.

وَأَمَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهَا أَظْهَرُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرِّبْحَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا مَنَافِعُ ضَرُورِيَّةٌ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْكَيْلَ وَالطَّعْمَ وَهُوَ مَعْنًى جَيِّدٌ لِكَوْنِ الطَّعْمِ ضَرُورِيًّا فِي أَقْوَاتِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حِفْظُ الْعَيْنِ وَحِفْظُ السَّرَفِ فِيمَا هُوَ قُوتٌ أَهَمُّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ هُوَ قُوتًا اهـ.

لَكِنْ لَا يَخْفَاك أَنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثَابِتَةٍ، بَلْ عَارِضٍ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مُخْتَصَّةٍ، بَلْ غَيْرُ مُخْتَصٍّ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مَقْصُودَةٍ عَادَةً مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ جَامِعَةٍ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسَبَةِ كُلِّهَا، بَلْ لَيْسَ هُوَ بِصِفَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا هُوَ لَاحِقٌ مُلَخَّصٌ مِنْ الرَّبَّا كَالْقَبْضِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّتُهُ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْقَلِيلِ كَالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ عِلَّةِ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَعَمْ لَوْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ الَّتِي رُبَّمَا احْتَجَّ بِهَا الْأَحْنَافُ؛ لِأَنَّ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورَةً تَنْبِيهًا قَوِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مِنْهَا أَنَّهُمْ رَوَوْا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ الْمُسَمَّيَاتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ زِيَادَةً وَهِيَ كَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَفِي بَعْضِهَا.

وَكَذَلِكَ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ لَكَانَ نَصًّا فِي ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذَاهِبُ اثْنَا عَشَرَ عَشَرَةٌ مِنْهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَمَذْهَبَانِ لَا تَعْلِيلَ فِيهِمَا وَهُمَا قَصْرُ مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقَصْرُ مَنْعِ الرِّبَا عَلَى النَّسَاءِ وَإِبَاحَةِ التَّفَاضُلِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

٢ -

(الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) جِهَةُ كَوْنِ الْمَعْنَى الْعَامِّ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّتِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ بِهَا عَلَيْهَا لِيَتَأَدَّى بِهِ إلْحَاقُ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِهَا فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ هَلْ يُؤَدِّي إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ جَمِيعٌ مِنْ الْحَقِّ الْمَسْكُوتِ هَاهُنَا بِالْمَنْطُوقِ بِهِ إنَّمَا أَلْحَقَهُ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ لَا بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الْمَالِيَّةِ،

وَقَالَ عِلَّةُ مَنْعِ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ حِيَاطَةُ الْأَمْوَالِ يُرِيدُ مَنْعَ الْعَيْنِ قَالَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَائِسِينَ دَلِيلٌ فِي اسْتِنْبَاطِ الشَّبَهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>