للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ بَيَانُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَقِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْقُبْلَةِ وَالتَّعَانُقِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْمَحَاسِنِ، وَلِذَلِكَ لَا نُوجِبُ فِيهَا عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ شَرْعًا، وَلَوْ كَانَتْ تَقْبَلُ الْقِيمَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَوَجَبَتْ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ أَمْ لَا كَالْأَزْبَالِ وَأَرْوَاثِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ مِنْ الْمَنَافِعِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَالضَّمَانُ فِي الذِّمَمِ مِنْ قَبِيلِ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ الْمُعَاوَضَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِلْعُقَلَاءِ كَالْقُبْلَةِ، وَأَنْوَاعُ الِاسْتِمْتَاعِ مَقْصُودَةٌ لِلْعُقَلَاءِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ يُسْتَدَلُّ بِالدَّلِيلِ النَّافِي لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى تِلْكَ الصُّوَرِ.

. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي الشَّرْطِ التَّاسِعِ وَهُوَ مَنْعُ السَّلَمِ الْحَالِّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اشْتَرَى جَمَلًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيرَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ إنِّي لَمْ أَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاغَدْرَاهُ فَاسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسْقًا وَأَعْطَاهُ» فَجَعَلَ الْجَمَلَ قُبَالَةَ وَسْقٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ السَّلَمُ الْحَالُّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْبُيُوعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْبَحْثِ انْعِكَاسُهُ عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ أَنَّهُ غَرَرٌ لَا أَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ، بَلْ أَوْجَدُ لِلْغَرَرِ، ثُمَّ نَقُولُ هُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي السَّلَمِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَالثَّمَنِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْأَجَلُ كَانَ مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ نَعَمْ وَذَهَبَ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ السَّلَمَ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سَلَمٌ حَالٌّ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِمَّنْ شَأْنُهُ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَسَلَمٌ مُؤَجَّلٌ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَجَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ

(أَحَدُهُمَا) هَلْ يُقَدَّرُ بِغَيْرِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ مِثْلُ الْجُذَاذِ وَالْقِطَافِ وَالْحَصَادِ وَالْمَوْسِمِ

(وَالثَّانِي) فِي مِقْدَارِ زَمَنِ الْأَيَّامِ وَتَحْصِيلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي مِقْدَارِهِ مِنْ الْأَيَّامِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَقْتَضِي بَلَدَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَضَرْبٌ يَقْتَضِي بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ السَّلَمُ فَإِنْ اقْتَضَاهُ فِي الْبَلَدِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَى الْيَوْمِ الْوَاحِدِ.

وَأَمَّا مَا يُقْتَضَى بِبَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ فِيهِ هُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَنْ جَعَلَ الْأَجَلَ شَرْطًا غَيْرَ مُعَلَّلٍ اشْتَرَطَ مِنْهُ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطًا مُعَلَّلًا بِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ اشْتَرَطَ مِنْ الْأَيَّامِ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ غَالِبًا.

وَأَمَّا الْأَجَلُ إلَى الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْآجَالِ يَسِيرٌ جَازَ ذَلِكَ إذْ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ وَشَبَّهَهُ بِالِاخْتِلَافِ الَّذِي يَكُونُ فِي الشُّهُورِ مِنْ قِبَلِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا كَثُرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قِبَلِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ لَمْ يُجِزْهُ هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَالْبِدَايَةِ وَقَيَّدَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْأَجَلَ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ عَادَةً كَالشَّهْرِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ وَفِي الْكَافِي أَوْ نِصْفُهُ أَوْ نَحْوُهُ هـ وَفِي شَرْحِهِ وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَا قَارَبَ الشَّهْرَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يُمَثِّلُ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ شَهْرٌ

(الشَّرْطُ الْعَاشِرُ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا نَفْيًا لِلْغَرَرِ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَاشْتُرِطَ فِي الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ قَضَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَالْأَجَلُ الْمَجْهُولُ غَيْرُهُ مُقَيَّدٌ، بَلْ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ اهـ. وَفِي الْإِقْنَاعِ مَعَ شَرْحِهِ وَأَنَّ شَرْطَهُ إلَى الْعِيدِ أَوْ إلَى رَبِيعٍ أَوْ إلَى جُمَادَى أَوْ إلَى النَّفْرِ مِنْ مِنًى وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ شَيْئَانِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ حَتَّى يُعَيَّنَ أَحَدُهُمَا لِلْجَهَالَةِ اهـ.

وَقَدْ عَلِمْت الْخِلَافَ فِي تَقْدِيرِهِ بِغَيْرِ الْأَيَّامِ مِثْلُ الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِمَا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا أَحْمَدُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِقْنَاعِ الْمُتَقَدِّمِ (الشَّرْطُ الْحَادِي عَشَرَ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ زَمَنَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يُسْلَمُ فِي فَاكِهَةِ الصَّيْفِ لِيَأْخُذَهَا فِي الشِّتَاءِ قَالَ الْخَرَشِيُّ الشَّرْطُ وُجُودُهُ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ، بَلْ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي الْأَجَلِ مَا عَدَا وَقْتَ الْقَبْضِ، بَلْ، وَلَوْ انْقَطَعَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ نَادِرًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ مَالِكٌ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ عَقَدَ السَّلَمَ، وَقَالُوا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي غَيْرِ وَقْتِ إبَّانِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا فِي إبَّانِ الشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِبَّانَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُسْلِمُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَأَقَرَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْهُوا عَنْهُ» وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ مَا رُوِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>