للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَجَلُ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا فَلْيَجُزْ مُنَجَّزًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْآيَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَعَنْ الثَّانِي إنْ صَحَّ، فَلَيْسَ يُسْلَمُ، بَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى تَمْرٍ مُعَيَّنٍ مَوْصُوفٍ فَلِذَلِكَ قَالَ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا، وَاَلَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ بِالشِّرَاءِ، لَكِنْ لَمَّا رَأَى رَغْبَةَ الْبَدْوِيِّ فِي التَّمْرِ اقْتَرَضَ لَهُ تَمْرًا آخَرَ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى التَّمْرِ، فَيَكُونُ ثَمَنًا لَا مَثْمُونًا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ مِنْ خَصَائِصِ الثَّمَنِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِلْمُكَايَسَةِ، وَالتَّعْجِيلُ يُنَاسِبُهَا وَالسَّلَمُ مَوْضُوعُهُ الرِّفْقُ وَالتَّأْجِيلُ يُنَاسِبُهُ وَالتَّعْجِيلُ يُنَافِيهِ وَيَبْطُلُ مَدْلُولُ الِاسْمِ بِالْحُلُولِ فِي السَّلَمِ وَلَا يَبْطُلُ مَدْلُولُ الْبَيْعِ بِالتَّأْجِيلِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ فِي الْمُكَايَسَةِ بِالتَّأْجِيلِ، وَلَمْ تَصِحَّ مُخَالَفَةُ السَّلَمِ بِالتَّعْجِيلِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الرَّابِعِ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ فَرْعُ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ هَا هُنَا، بَلْ التَّبَايُنُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ مُؤَجَّلًا لِلرِّفْقِ، وَالرِّفْقُ لَا يَحْصُلُ بِالْحُلُولِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بَلْ يَنْتَفِي أَلْبَتَّةَ سَلَّمْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْغَرَرِ مَعَ الْحُلُولِ، بَلْ الْحُلُولُ فِي السَّلَمِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى بَيْعِهِ مُعَيَّنًا حَالًّا فَعُدُولُهُ إلَى السَّلَمِ قَصْدٌ لِلْغَرَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَالْأَجَلُ يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالْحُلُولُ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُعَيِّنُ الْغَرَرَ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمُعَيَّنِ أَكْثَرُ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَعَيَّنَهُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الثَّمَنِ فَيَنْدَرِجُ الثَّمَنُ الْحَالُّ فِي الْغَرَرِ فَيَمْتَنِعُ قَوْلُهُ أَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُسْلِمُوا فِي النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْغَرَرَ يَكُونُ فِيهِ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي حَالِ الْعَقْدِ وَكَأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُعَيَّنًا، وَهَذَا فِي الذِّمَّةِ وَبِهَذَا فَارَقَ السَّلَمُ بَيْعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ السَّلَمُ فِيمَا يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ الْأَجَلِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاشْتَرَطَ اسْتِمْرَارَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ مُحْتَجًّا بِوُجُوهٍ

(الْأَوَّلُ) احْتِمَالُ مَوْتِ الْبَائِعِ فَيَحِلُّ السَّلَمُ بِمَوْتِهِ فَلَا يُوجِبُ الْمُسْلِمَ وَفِيهِ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَكَانَ الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ كُلِّ سَلَمٍ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُ تَغْيِيرِ مَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبَقَاءُ الْإِنْسَانِ إلَى حِينِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ وَقَعَ الْمَوْتُ وَقَفَتْ التَّرِكَةُ إلَى الْإِبَّانِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْدُومًا قَبْلَ الْأَجَلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا عِنْدَهُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ، فَيَكُونُ غَرَرًا فَيَمْتَنِعُ إجْمَاعًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ مُعَارَضٌ بِالْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْأَعْيَانِ فِي إبَّانِهَا

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَعْدُومٌ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَ مَعْدُومًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْعَدَمِ فِي السَّلَمِ إذْ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ الرِّفْقِ فِي السَّلَمِ إلَّا مَعَ الْعَدَمِ وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ السَّلَمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ ارْتِكَابُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ادِّعَاءِ وُجُودِهِ، بَلْ نَجْعَلُهُ سَلَمًا فَقِيَاسُ بَيْعِ السَّلَمِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَصِحُّ

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَعْدُومَ أَبْلَغُ فِي الْجَهَالَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ الْمَوْجُودَ لَهُ ثُبُوتٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ الْمَوْجُودِ بَاطِلٌ قَطْعًا فَيَبْطُلُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُنْضَبِطَةٌ مَعَ الْعَدَمِ بِالصِّفَاتِ وَهِيَ مَقْصُودُ عُقُودِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْنَعُهَا الْجَهَالَةُ دُونَ الْعَدَمِ فَيُنْتَقَضُ بِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ

(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ انْتِهَائِهَا بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَمُنَافَاةِ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فِيهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَيُنَافِي التَّحْدِيدُ أَوَّلَهُ دُونَ آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا مَعَ شُرُوطٍ كَثِيرَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَعْدَ فَكُلَّمَا يُنَافِي أَوَّلَهُ يُنَافِي آخِرَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ لُغَوِيٍّ وَالْعَدَمُ يُنَافِي آخِرَ الْأَجَلِ فَيُنَافِي أَوَّلَ الْعَقْدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَابُهُ إنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ اسْتِمْرَارِ آثَارِهَا وَنَظِيرُهُ هَاهُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَعَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَالِيَّةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ الْمَالِيَّةُ مَصُونَةٌ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَهَذَا الْعَمَلُ حِينَئِذٍ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الِانْتِهَاءِ مُطْلَقًا.

بَلْ يَتَأَكَّدُ مَذْهَبُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وَهَذَا يَدُلُّ لَنَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ ثَمَرَ السِّنِينَ مَعْدُومٌ وَثَانِيهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْوُجُودَ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ وَقَّتَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَحَلًّا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ كَمَا بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>