للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَعَذَّرُ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ.

(الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ) الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ هِيَ حُجَّةٌ فِي الْأَمْوَالِ يَحْلِفُ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ وَيَسْتَحِقُّ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَوَافَقَنَا فِي الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ لَنَا وُجُوهٌ

(الْأَوَّلُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ مُقَامَ الرَّجُلِ فَيَقْضِي بِهِمَا مَعَ الْيَمِينِ كَالرَّجُلِ، وَلَمَّا عَلَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُقْصَانَ عَقْلِهِنَّ قَالَ عَدَلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا دُونَ مَوْضِعٍ.

(الثَّانِي) أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَمَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى الثَّالِثُ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَهُمَا، وَيَتَوَجَّهُ مَعَ الرَّجُلِ، وَإِذَا لَمْ يُعَرَّجْ عَلَى الْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمَا كَانَتَا أَقْوَى فَيَكُونَانِ كَالرَّجُلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُمَا احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ

(الْأَوَّلُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا شَرَعَ شَهَادَتَهُنَّ مَعَ الرَّجُلِ فَإِذَا عَدِمَ الرَّجُلُ الْعَيْبَ

(الثَّانِي) أَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الْمَالِ إذَا خَلَتْ عَنْ رَجُلٍ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ أَشْهَدَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَالرَّجُلِ لَتَمَّ الْحُكْمُ بِأَرْبَعٍ، وَيَقْبِلْنَ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَمَا يُقْبَلُ الرَّجُلُ، وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ.

(الثَّالِثُ) أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ ضَعِيفَةٌ فَتُقَوَّى بِالرَّجُلِ، وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ فَيُضَمُّ ضَعِيفٌ إلَى ضَعِيفٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِمَا لَا يَقُومَانِ مَقَامَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الِاعْتِبَارُ الْمُتَقَدِّمُ كَمَا دَلَّ الِاعْتِبَارُ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُمُطِ فِي الْبُنْيَانِ وَالْجُذُوعِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَقِلَّ النِّسْوَةُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ لِأَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الرِّجَالِ بِمَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّتِهِمْ لِأَنَّ النِّسَاءَ قَدْ خُصِّصْنَ بِعُيُوبِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى رُجْحَانِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ.

(الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ) الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ النُّكُولَ سَبَبٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَيَحْكُمُ بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ كَالْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعِي، وَتَأْثِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْقُلُ الْيَمِينَ لِلْمُدَّعِي. (الثَّانِي) أَنَّ الشَّاهِدَ أَقْوَى مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَ يَدْخُلُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) بِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّكُولُ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ. (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْحِنْثَ فِيهِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَيَذْرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ إذَا أَقْدَمَ عَلَيْهَا غَمُوسًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النُّكُولُ

(الثَّالِثُ) أَنَّ النُّكُولَ لَا يَكُونُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَدْخُلَ ذَلِكَ، وَلَا نَحْوُهُ تَحْتَ الْحُكْمِ اسْتِقْلَالًا، وَلَا تَضَمُّنًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَكِنْ يَدْخُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى صِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى إلْزَامِ الشَّخْصِ لَا مُطْلَقًا اهـ.

وَأَمَّا مَا يَتَأَتَّى فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ فَضَبَطَهُ الْأَصْلُ بِأَرْبَعَةِ قُيُودٍ فَقَالَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا أَنْشَأَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِي الْمَدَارِكِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ قَالَ فَقَيْدُ الْإِنْشَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ حُكْمِهِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ، وَأَمَّا فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ فَهُوَ يُنْشِئُ حُكْمًا، وَهُوَ إلْزَامُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيلَ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ فَإِذَا قَضَى الْمَالِكِيُّ فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ وُضُوءُهُ بِنَقْضِ وُضُوئِهِ أَوْ قَضَى فِي امْرَأَةٍ عُلِّقَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ تَنَاوَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، وَكَانَ حُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِالنَّقْضِ وَلُزُومِ الطَّلَاقِ نَصًّا خَاصًّا تَخْتَصُّ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَهُوَ نَصٌّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذَلِكَ لِلْحُكَّامِ رَفْعًا لِلْخُصُومَاتِ وَالْمُشَاجَرَاتِ، وَهَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ حُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَثَلًا مَذْهَبًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذَا تَعَارَضَا فَلِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ الشَّافِعِيُّ يُفْتِي بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِجُمْلَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَنَاوَلَهَا نَصٌّ خَاصٌّ بِهَا مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ، وَإِنَّمَا يُفْتِي الشَّافِعِيُّ بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.

وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِاسْتِمْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ دَلِيلِ الْمَالِكِيِّ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهَا بِلُزُومِ النِّكَاحِ وَدَوَامِهِ، وَفِي غَيْرِهَا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ لِأَجْلِ مَا أَنْشَأَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْحُكْمِ تَقْدِيمًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ، وَقُيِّدَ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ احْتِرَازًا عَنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَالِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا، وَقُيِّدَ تَتَقَارَبُ مَدَارِكُهَا احْتِرَازًا مِنْ الْخِلَافِ الشَّاذِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَلْ يُنْقَضُ فِي نَفْسِهِ إذَا حُكِمَ بِالْفَتْوَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ، وَقُيِّدَ لِأَجْلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْفَتْوَى بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ وَطَهَارَةِ الْأَوَانِي، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلْآخِرَةِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَمْلَاكِ وَالرُّهُونِ وَالْأَوْقَافِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>