للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمْتَازُ بِهِ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ عَسِيرٌ جِدًّا بَلْ الطَّرِيقُ الْمُحَصِّلُ لِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ حِفْظِ فَتَاوَى الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرَ مَا وَقَعَ لَهُ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِالْكُفْرِ أَوْ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِعَدَمِ الْكُفْرِ فَيُلْحِقَهُ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ وَجَوْدَةِ الْفِكْرِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ لِقُصُورِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْفِيقُ، وَلَا يُفْتِي بِشَيْءٍ فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لِهَذَا الْبَابِ. أَمَّا عِبَارَةٌ مَانِعَةٌ جَامِعَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهِيَ مِنْ الْمُتَعَذِّرَاتِ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ غَوْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

يَمْتَازُ بِهِ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ عَسِيرٌ جِدًّا بَلْ الطَّرِيقُ الْمُحَصِّلُ لِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ حِفْظِ فَتَاوَى الْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرَ مَا وَقَعَ لَهُ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِالْكُفْرِ أَوْ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِعَدَمِ الْكُفْرِ فَيُلْحِقَهُ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ وَجَوْدَةِ الْفِكْرِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ لِقُصُورِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ، وَلَا يُفْتِي بِشَيْءٍ فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لِهَذَا الْبَابِ. أَمَّا عِبَارَةٌ جَامِعَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهِيَ مِنْ الْمُتَعَذِّرَاتِ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ غَوْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ)

قُلْتُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَاطِعٍ سَمْعِيٍّ وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا مُسْتَنَدَ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ فَلَيْسَتْ الدَّعْوَى إلَّا هُنَالِكَ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ هُنَاكَ أَمْ لَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ فَإِمَّا أَنْ يَلْقَاهُ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَوْ يَكُونُ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ مَعَهُ أَوْ لَا فَيُجِيبُهُ لِمُخَاصَمَتِهِ هُنَاكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَأَمَّا مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُخَاصِمُهُ حَيْثُ مَا لَقِيَهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْحَطَّابُ مَتَى طُولِبَ الشَّخْصُ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا يَدْفَعُهُ إلَّا بِالْحَاكِمِ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ، وَوُقُوفُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَعْبٌ، نَعَمْ إذَا كَانَ الْحَقُّ نَفَقَةً لِلْأَقَارِبِ، وَجَبَ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا فَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلرَّقِيقِ خُيِّرَ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ كَمَا يُخْبَرُ فِي كُلِّ حَقٍّ مَوْقُوفٍ عَلَى الْحَاكِمِ أَيْ أَوْ يُمْكِنُ فِيهِ التَّخْيِيرُ كَأَجَلِ الْعِنِّينِ يُخَيِّرُ الزَّوْجَ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَكَالْقِسْمَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْحَاكِمِ يُخْبَرُ بَيْنَ تَمْلِيكِ حِصَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا وَكَالْفُسُوخِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْحَاكِمِ أَمَّا إنْ كَانَ الْحَقُّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ بَلْ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاءٌ، وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَمَتَى عَلِمَ خَصْمُهُ إعْسَارَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ دَعَاهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِحَوْزٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، وَتَحْرُمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. هَذَا إذَا كَانَ الْحَقُّ مُتَّفِقًا عَلَى ثُبُوتِهِ أَمَّا إنْ دَعَاهُ إلَى حَقٍّ مُخْتَلَفٍ فِي ثُبُوتِهِ فَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ نَعَمْ إنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَمَحَلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْحَقِّ، وَيَتَثَبَّتُ فِي أَمْرِهِ، وَأَمَّا إذَا فُقِدَ ذَلِكَ كَمَا فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي الْجَمِيعِ لِئَلَّا يَقَعَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ مِنْهُ)

الْحَبْسُ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ بِمَا زَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ:

(الْأَوَّلُ) حَبْسُ الْجَانِي لِغَيْبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ

(الثَّانِي) حَبْسُ الْآبِقِ سَنَةً حِفْظًا لِلْمَالِيَّةِ رَجَاءَ أَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ

(الثَّالِثُ) حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ، وَلَوْ دِرْهَمًا، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِهِ لَجَاءَ إلَيْهِ فَلَا يُطْلَقُ حَتَّى يَدْفَعَهُ، وَلَا يُقَالُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ، وَتَخْلِيدُهُ فِي الْحَبْسِ عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ كَيْفَ تَكُونُ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ، وَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْلِيدَ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى يَرُدَّ مُخَالَفَةَ الْقَوَاعِدِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقَابِلَ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ كُلَّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ فَهِيَ جِنَايَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُتَقَابِلَةٌ فَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ كَمَا لِلْأَصْلِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ حَقِيرَةٌ بَلْ هُوَ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْإِصْرَارَ عَلَى الظُّلْمِ وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ التَّخْلِيدَ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَمَا لِابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>