للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ) . اتَّفَقَ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى تَكْفِيرِ إبْلِيسَ بِقَضِيَّتِهِ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ مُدْرَكُ الْكُفْرِ فِيهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ السُّجُودِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ كَافِرًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِكَوْنِهِ حَسَدَ آدَمَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ حَاسِدٍ كَافِرًا، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِعِصْيَانِهِ وَفُسُوقِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِصْيَانٌ وَفُسُوقٌ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ عَاصٍ وَفَاسِقٍ كَافِرًا وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ إبْلِيسَ إنَّمَا كَفَرَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (مَسْأَلَةٌ اتَّفَقَ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى تَكْفِيرِ إبْلِيسَ بِقَضِيَّتِهِ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ مُدْرَكُ الْكُفْرِ فِيهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ السُّجُودِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ كَافِرًا، وَلَا بِحَسَدِهِ لِآدَمَ لِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ حَاسِدٍ كَافِرًا، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِعِصْيَانِهِ وَفُسُوقِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِصْيَانٌ وَفُسُوقٌ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ عَاصٍ وَفَاسِقٍ كَافِرًا) . قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ الْكُفْرِ لِكُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ السُّجُودِ وَلِكُلِّ حَاسِدٍ وَلِكُلِّ عَاصٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَسَدًا مَا وَامْتِنَاعًا مَا وَعِصْيَانًا مَا دُونَ سَائِرِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ كُفْرًا إذْ كَوْنُ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ أَمْرٌ وَضْعِيٌّ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ. قَالَ: (وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ إبْلِيسَ إنَّمَا كَفَرَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

(الرَّابِعُ) حَبْسُ مَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ اخْتِبَارٌ لِحَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُهُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ عُسْرًا أَوْ يُسْرًا.

(الْخَامِسُ) حَبْسُ الْجَانِي تَعْزِيرًا أَوْ رَدْعًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى.

(السَّادِسُ) حَبْسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَنْ أُخْتَيْنِ أَوْ عَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ.

(السَّابِعُ) حَبْسُ مَنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولِ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعَيِّنَهُ فَيَقُولُ الْمُقِرُّ بِهِ هُوَ هَذَا الثَّوَابُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ فِي ذِمَّتِي هُوَ دِينَارٌ.

(الثَّامِنُ) حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَيُقْتَلُ فِيهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْحَجِّ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَنِ فَمِثَالُهُ تَرْكُ الْوِتْرِ قَالَ أَصْبَغُ بِتَأْدِيبِ تَارِكِ الْوِتْرِ اهـ هَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ.

(التَّاسِعُ) مَنْ يُحْبَسُ اخْتِبَارٌ لِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْفَسَادِ.

(الْعَاشِرُ) حَبْسُ الْمُتَدَاعِي فِيهِ قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّالِبَ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِعَدْلَيْنِ أَوْ بِعَدْلٍ أَوْ بِمَجْهُولٍ مَرْجُوٍّ تَزْكِيَتُهُ أَوْ بِمَجْهُولَيْنِ كَذَلِكَ أَوْ بِلَطْخٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَالتَّوْقِيفُ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا لِلْإِعْذَارِ مَا لَا خَرَاجَ لَهُ مِنْ الْعَقَارِ بِالْغَلْقِ، وَمَا لَهُ خَرَاجٌ يُوقَفُ خَرَاجُهُ، وَغَيْرُ الْعَقَارِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ بِالْوَضْعِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ، وَبِيعَ وَوُضِعَ ثَمَنُهُ عِنْدَهُ فِي الثِّمَارِ إنْ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ، وَفِي الثَّانِي لِلْإِعْذَارِ فِيهِ أَوْ لِإِقَامَةِ ثَانٍ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لِرَجَاءِ شَاهِدٍ آخَرَ فَالْمَنْعُ مِنْ التَّفْوِيتِ فَقَطْ فِي الْعَقَارِ، وَلَا يَنْزِعُ مِنْ يَدِهِ لَكِنْ يُوقِفُ مَالَهُ خَرَاجٌ مِنْهُ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِالْوَضْعِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ، وَبَيْعِ مَا يَفْسُدُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَجِدْ ثَانِيًا فَلَا أَحْلِفُ مَعَ هَذَا أَلْبَتَّةَ فَلَا يُبَاعُ حِينَئِذٍ بَلْ يُتْرَكُ لِلْمَطْلُوبِ، وَفِي الثَّالِثِ التَّزْكِيَةُ وَالْإِعْذَارُ بَعْدَهَا، وَحُكْمُهُ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ الْحَاجِبِ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ قَالَ ابْنُ رَحَّالٍ فِي شَرْحِهِ هُوَ كَالْعَدْلِ الْمَقْبُولِ فِي وُجُوبِ الْإِيقَافِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ، وَفِي الرَّابِعِ التَّزْكِيَةُ وَالْإِعْذَارُ أَيْضًا، وَحُكْمُهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا فِي بَيْعِ مَا يَفْسُدُ فَيُبَاعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَفِي الْخَامِسِ، وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِالْوَضْعِ عِنْدَ أَمِينٍ مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَفْسُدُ فَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِزِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَالْعَدْلِ الَّذِي لَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ الْحَلِفَ مَعَهُ، وَفِي السَّادِسِ لَا عَقْلَ أَيْ لَا حَبْسَ أَصْلًا إذْ لَا يُعْقَلُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْرِ فِيهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَجَرَى الْعَمَلُ بِالْإِيقَافِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ الْعَقَارِ قَالَ نَاظِمُهُ:

وَكُلُّ مُدَّعٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ ... مُكِّنَ مِنْ الْإِثْبَاتِ بِالْإِطْلَاقِ

لَكِنْ حَكَى ابْنُ نَاجِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ مُسْتَنَدُهُ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْإِخْلَالِ بِحَقٍّ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى حَقِّ الطَّالِبِ فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ قِيمَةَ كِرَائِهَا فِي أَيَّامِ الذَّهَابِ وَالْإِيقَافِ زِيَادَةً عَلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ شَيْئًا أَخَذَهُ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّ هَذَا قَدْ اعْتَرَضَ مَالَ غَيْرِهِ، وَعَطَّلَهُ عَنْ مَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى لَطْخٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَنَدَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ الْكِرَاءَ الشُّبْهَةِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْعَمَلِ، وَقَدْ حَكَى كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ الْمَعَاشُ يَذْهَبُونَ لِلْفَنَادِقِ فَيَعْتَرِضُونَ دَوَابَّ الْوَارِدِينَ حَتَّى يُصَالِحُوهُمْ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ رَبُّ الدَّابَّةِ مَزْعُوجًا يُرِيدُ الْخُرُوجَ فِي الْحِينِ، وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>