لقد أسقط في يد فرعون، وطاش صوابه، فلجأ إلى التهديد والتخويف والوعيد وجعل ذنب السحرة المبادرة إلى الإيمان بإله غيره من دون إذن منه ولا رضا، فقال لهم: كيف آمنتم برسالة موسى واتبعتموه قبل أن آذن لكم؟ وإن ما تظاهرتم به أولا بعداوة موسى، والاعتداد بالسحر ثانيا، وإرادة الغلبة لموسى ثالثا، هذا كله مكر خفي منكم وتدبير خبيث وتواطؤ مع موسى قبل المباراة، لقد دبرتم العمل بالمدينة، وتآمرتم لإخراج الناس من البلد، فسوف تعلمون عاقبة ما أفعل بكم. إن فرعون يعلم يقينا أن الاتهام بالمكر والمؤامرة غير صحيح، فهو الذي أرسل جنوده في سائر أقاليم مصر، ووعدهم بالعطاء، ولم يلتقوا بموسى، ولم يعرف موسى أحدا منهم، ولا رآه ولا اجتمع به.
وعقابي لكم: تقطيع الأيدي والأرجل، ثم القتل والصلب على جذوع النخل، والتنكيل بأشد العذاب والعقاب، حتى تكونوا عبرة للمعتبر، والقصد من هذا التهديد حماية مزاعمه بادعاء الألوهية، وسد الباب أمام الناس الذين يريدون الإيمان بالله تعالى، وترك الولاء والعبودية لفرعون.
ولكن فريق السحرة لم يأبهوا بالتهديد والوعيد، لثقتهم بالله، وقالوا: إن الأمر كله لله، وإننا راجعون إلى ربنا مهما طال العمر، وما تنقم منا وما تكره من أفعالنا إلا أننا آمنا بالله ورسوله لما ظهرت الآيات والمعجزة، وعرف الحق، وتبدد الباطل.
وهذا إعلان لقرار لا رجعة فيه، وكأنهم يقولون: لا أمل لنا في رجوعنا عن الإيمان بالله ربا واحدا لا شريك له.