واعلم أن هذا الحديث عام، مخصوص بالحديث المتقدم في الباب السابق وما في معناه؛ فإنه يدل على جواز -بل استحباب- إعادة الصلاة مع الجماعة بنية النفل. وإلى هذا ذهب ابن عمر نفسه؛ فقد روى الطحاوي عن عثمان بن سعيد ابن أبي رافع قال:
أرسلني مُحَرَّرُ بن أبي هريرة إلى ابن عمر أسأله: إذا صلى الرجل الظهر في بيته، ثم جاء إلى المسجد والناس يصلون، فصلى معهم؛ أيتهما صلاته؟ فقال ابن عمر: صلاته الأولى.
فلو كان يرى أن الصلاة الأخرى منهيٌّ عنها مطلقًا؛ لنهاه ولما أقره عليها، ولما كان لبيانه له أن الصلاة المفروضة من الصلاتين هي الأولى!
وأصرح من ذلك ما أخرجه مالك (١/ ١٥٣) عن نافع:
أن رجلًا سأل عبد الله بن عمر، فقال: إني أصلي في بيتي، ثم أدرك الصلاة مع الإمام؛ أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر: نعم. فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟ فقال ابن عمر: أوَ ذلك إليك؟ ! إنما ذلك إلى الله، يجعل أيتهما شاء! وحينئذ فتَرْكُ ابن عمر إعادة الصلاة في حديث الباب؛ إنما هو ليدل على أن الإعادة ليست حتمًا؛ وإنما هي على الاختيار أو الاستحباب، كما قال البيهقي رحمه الله (٢/ ٣٠٣).
هذا؛ وفي رواية مالك: أن ابن عمر توقف في تعيين الفريضة من الصلاتين؛ بينما جزم في رواية الطحاوي بأنها الأولى.
وهذا هو الحق؛ لموافقته للحديث المتقدم؛ والظاهر أنه كان لم يبلغه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فلما بلغه جزم به. والله أعلم.