للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقال له: ليس في الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين مَنْ حَمَلَ ذلك على نذر اللجاج والغضب، ولكن بعض الفقهاء المتأخرين حملوا ذلك عليه، مع أَنَّ محققيهم جعلوا الحديث متناولًا له لا مختصًّا به، وأما أصحاب أحمد فليس فيهم مَنْ يجعل الحديث [٢٧٥/ ب] مختصًّا بنذر اللجاج والغضب، بل ولا أصحاب أبي حنيفة ولا مالك، وأما أصحاب الشافعي المحتجين بهذا الحديث فَأَجَلُّهُم أو مَنْ هو مِنْ أجلهم الشيخ أبو حامد، وجعل الحديث عامًّا فيه وفي غيره لا مختصًّا به (١).

وقد تقدم أنه لا يجوز أَنْ يراد بذلك مجرد نذر اللجاج والغضب، لأنه قال: «كفارة النذر» فذكر النذر مُعَرَّفًا بالألف واللام وهذا عام مطلق، ونذر اللجاج والغضب إما ألا يكون نذرًا البتة بل هو يمين كما عليه جمهور السلف، وإما أَنْ يكونَ نوعًا من النذر؛ وعلى التقديرين فلا يجوز أَنْ يكون قوله: «كفارة النذر» مختصًّا به، أَمَّا على الأول فإنه ليس بنذر، وأما على الثاني فلأنه يَعُمُّهُ وغيره، وإنما خَصَّهُ بذلك بعض متأخري أصحاب الشافعي الذين يقولون: لا كفارة في شيءٍ من النذر إلا في هذا الذي يُسَمَّى نَذْرَ اللجاج والغضب.

وهؤلاء وأمثالهم ممن يجعل النصوص النبوية تابعة لمذاهبهم (٢)، وإذا تأمله وانتقده (٣) لنفسه كان فاسدًا مردودًا؛ قال (٤): (على أن هذا القول


(١) انظر: البيان للعمراني (٤/ ٤٧٦ ــ ٤٧٧).
(٢) الفتاوى الكبرى (٣/ ٤٨٧)، الإيمان (ص ٣٢).
(٣) كذا في الأصل.
(٤) أي: المعترض.