للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يقال: إنه يلزمه أَنْ يشتريه ويعتقه أو إنه يكفر كفارة يمين، لم يقل أحد: إنه يصير حرًّا لأن التصرف في الأعيان له شروط متعددة يقف عليها، بخلاف التصرف في الذمة فإنه أسرع لزومًا.

ولهذا؛ لما كان إيجاب الشارع إنما هو على أعيان العباد لم يوجب ما لا يطيقونه، ولما كان النذر يوجبه العبد في ذمته فقد يوجب ما لا يطيقه، ولهذا جَعَلَ الشارعُ النذرَ كالدين الذي في [١٥٨/ ب] الذمة، يفعل عن الميت بغير إذنه، بخلاف ما يوجبه الرب بالصلاة المفروضة، لا يصليها أحد عن أحد حيًّا ولا ميتًا بلا نزاع نَعرفه (١).

وكذلك الصوم المفروض عند جماهير العلماء إنما بدله عند العجز أن يطعم عن كل يوم مسكينًا، كما كان كذلك في الكفارة جعل الله الإطعام بدلًا عن الصيام في حقِّ المكفِّر بقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤]، وكما خَيَّرَ الله ــ عز وجل ــ في أول الإسلام بين الصيام وبين إطعام مسكين، ثم قال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤]، فجعل صيام يوم خير من إطعام مسكين، ولهذا كان جمهور السلف والخلف على أَنَّ العاجز عن صيام رمضان يطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا يأمر أحدًا يقضي عنه الصوم باتفاق


(١) قال في مجموع الفتاوى (٣٠/ ٢٠٣): صلاة الفرض لا يَفعلها أحدٌ عن أحدٍ لا بِأُجرة ولا بغير أُجرة باتفاق الأئمة.
انظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٤٣٩) (٢٥/ ٢٦٩)، الفتاوى الكبرى (١/ ١٨٥) (٢/ ٤٧٥)، جامع المسائل (٤/ ٢٤٥) (٥/ ٣٥٠)، مسألة في المرابطة بالثغور (ص ٣٨)، منهاج السنة (٥/ ٢٢٨).