وقد تقدم اعتراف محمد بن جرير الطبري وأبي محمد بن حزم بقول مَنْ قال مِن الصحابة والتابعين: إنه إذا حلف بالعتق بقوله: (كل مملوك لي حر إِنْ فعلت كذا) = أنه يُكَفِّر يمينه ولا يلزمه العتق، وهذان مخالفان لهذا القول، يريان أنه لا يلزمه عتق ولا كفارة، كما لا يلزم ذلك عندهما في تعليق النذر إذا قُصِدَ بِهِ اليمين، وقولهما في ذلك كله قول داود [١٩٤/ أ] وأصحابه، وهو ثابت في الحلف بالنذر عن طائفة من التابعين، ويروى عن محمد بن الحسن، والطحاوي يميل إليه.
فهؤلاء يختارون في الحلف بالعتق أنه لا يلزم ولا كفارة فيه، كما يُذْكَرُ ذلك عن: داود وَمَنْ وافقه، وأبلغُ من ذلك قول أبي عبد الرحمن الشافعي وَمَنْ وافقه كابن حزم من أهل السنة، وكالمفيد والطوسي والموسوي وغيرهم من شيوخ الشيعة، وهم ينقلون ذلك عن فقهاء أهل البيت، ومعلومٌ أَنَّ خلافَ أئمة أهل البيت ــ كأبي جعفر محمد الباقر وجعفر بن محمد ــ معتدٌّ به باتفاق المسلمين، فإنَّ هؤلاء مِنْ أكابر أئمة المسلمين، ومن سادات أهل العلم والدين، وإِنْ كانت الرافضة تغلوا فيهم غلوًّا باطلًا، فذلك لا يمنع من معرفة أقدارهم، كغلوهم في علي - رضي الله عنه -، وغلو النصارى في المسيح ــ عليه السلام ــ.
والرافضة يجعلونهم معصومين كالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلون كل ما قالوه قالوه نقلًا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلون إجماع طائفتهم حجة معصومة؛ وعلى هذه الأصول الثلاثة بنوا شرائع دينهم، لكن جمهور ما ينقلونه من الشريعة موافق لقول جمهور المسلمين، فيه ما هو من مواقع الإجماع، وفيه ما فيه