ومعلومٌ أنه لا يمكن معرفة إجماعهم وتنازعهم إلا بعد معرفة أقوالهم، فإنْ كانت أقوالهم لا يحتاج إليها، فلا يُحتجُّ بإجماعهم ولا يُذكر نزاعهم، فإنْ ذكر إجماعهم [٢١٨/ أ] ونزاعهم فلا بُدَّ من معرفة أقوالهم، وأما أَنْ يحتج بنقل إجماعهم مع أَنَّ غايتَهُ ظَنٌّ من الناقل لا علم له به، ويترك نقل نزاعهم الذي هو إما معلوم وإما مظنون ظنًّا أقوى من ظن نفي النزاع؛ فهذا فعل المطففين الذين لا يعدلون في ميزان العلم والمعاني التي هي أحق بالعدل فيها من ميزان الأموال والدراهم.
وأما ما ذكر من إشارة بعض شيوخه عليه بالاعتناء بجمع ما يتصل إليه من الروايات من مذاهب السلف؛ فهذا يدل على أَنَّ شيخَهُ هذا مفرطٌ في الجهل بما فعله العلماء من ذلك وبقدر المسؤول، فإنَّ هذا الباب قد أمعن العلماء فيه، ومصنفات السلف كلها كانت من هذا الباب مثل: موطأ مالك، وجامع سفيان، ومصنف ابن جريج وحماد بن سلمة وسعيد بن أبي عروبة، ثم مصنفات عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب ووكيع بن الجراح وهشيم بن بشير (١) وعبد الرحمن بن مهدي وأمثال هؤلاء، ثم مصنف عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة، ثم مصنفات الشافعي ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وأصحاب أحمد مثل: الأثرم وحرب الكرماني وصالح وعبد الله ابني أحمد وأبي بكر المروذي وأمثال هؤلاء.
لكن منهم مَنْ يُجَرِّدُ الآثار؛ فيذكر أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين لا يخلط بشيء من الكلام والبحث، ومنهم مَنْ يخلطها بشيء من ذلك.