للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحابة - رضي الله عنهم - أفتوه بالكفارة لا لأنه إذا فعل ما التزمه لزمته الكفارة أيضًا، بل أمروه أَنْ يُكفِّر ولا يحتاج مع ذلك إلى فعل ما التزمه، لأنه ليس له قصد في فعله، وإنما كان يفعله إذا كان واجبًا عليه، فإذا لم يكن واجبًا عليه بل تجزئه كفارة يمين فلا داعي له إلى فعله، وقد يُنهى ــ أيضًا ــ عن فعله لما عليه في ذلك من الضرر، لأنه ليس له في ذلك نيةٌ خالصة، كما يُنهى الإنسان عن فعل ما يضره وعن سائر أفعال القرب التي يفعلها بلا نية خالصة لله ــ عز وجل ــ، وكما يُنهى عن أن يفعل ما حَلَفَ عليه إذا حلف ليفعلنَّ محرمًا، أو ليفعلنَّ فعلًا يضره، أو ليفعلنَّ قربة من القرب على وجه المباهاة والمراءاة ونحو ذلك.

فلو حلف ليحجنَّ رياءً وسمعة، أو لَيُخْرِجَنَّ ماله كله ويدع نفسه وعياله محتاجين= نهي عن فعل ذلك، وَأُمِرَ أَنْ يكفر يمينه، وَإِنْ كان لو فعل ذلك لم تجب عليه كفارة بقوله: إِنْ فعلتُ كذا فعليَّ الحج؛ غايَتُهُ: أَنْ يكون بمنزلة قوله: إِنْ فعلتُ كذا فوالله لأحجنَّ ثلاثين حجة ولأُخْرِجَنَّ مالي كله ولأصيرنَّ يهوديًا ونصرانيًا ولأطلقنَّ نسائي، وهو لو فعله وَحَجَّ لم يكن عليه كفارة، لكن لو فعله لقيل له: كَفِّرْ يمينك ولا تَحُجَّ ثلاثين حجة ولا تُخْرِج مالك ولا تَكْفُر ولا تُطَلِّق نساءك، ثم لو فعل ذلك لم يكن عليه كفارة؛ فالإلزام بالكفارة مع كونه فعل ما التزمه قولٌ ضعيفٌ جدًّا.

وهؤلاء سمعوا ما ذكره الشافعي ونقله عن السلف من أنهم جعلوا هذا يمينًا مكفَّرة، فظنوا أنه بمجرد (١) الفعل تتعين الكفارة ولو فعل ما التزمه؛ وليس كذلك، بل هذا كما لو قال: إِنْ فعلت فوالله لأفعلنَّ كذا وكذا، فإنه


(١) في الأصل: (مجرد)، والصواب ما أثبتُّ.