فلما جلس لعقوبته حضر ابن أبي دُواد، فجلس دون مجلسه، فقال له المعتصم: يا أبا عبد الله، جلست في غير مجلسِك! فقال له: ما ينبغي أن أجلسَ إلا دونَ مجلسي هذا. . . فقال له: وكيف؟ قال: لأنّ الناس يزعُمون أنّه ليس موضعي موضعَ مَنْ يَشفع في رجل فلا يُشفَّع، قال: فارجع إلى مجلسك، قال: مُشَفّعاً أو غيرَ مُشَفّعٍ؟ فقال: بل مُشَفّعاً، فارتفع إلى مجلسه، ثمّ قال: إن الناس لا يعلمون رضا أمير المؤمنين عنه إن لم يَخلع عليه - فأمر بالخلع عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد استحقّ هذا وأصحابُه رزقَ ستةِ أشهرٍ لا بدَّ أن يقبضوها، وإن أمرت لهم بها في هذا الوقت قامت مقامَ الصِّلة، قال: قد أمرت لهم بها، فخرج خالد وعليه الخِلع، والمالُ بين يديه، وإن الناس ينتظرون في الطرق الإيقاعَ به، وصاح رجلٌ: الحمد لله على خلاصك يا سيِّد العرب، فقال خالد: اسكت، سيد العرب والله أحمد بن أبي دُواد. . . وقال الواثق يوماً لابن أبي دُواد - تضجُّراً بكثرة حوائجه: قد اختلّت بيوتُ المالِ بطلباتك لِلائذين بك والمتوسّلين إليك! فقال: يا أمير المؤمنين، هي نتائجُ شكرُها متّصلٌ بك، وذخائرُ أجرُها مكتوبٌ لك. وما لي من ذلك إلا أن أخلّدَ المدحَ فيك، فقال: أحسنت.
وبعد فلْنتجزأ بهذا المقدار من مساعي ابن أبي دُواد سيّد العرب وعبقريِّها في النجدة والمروءة والكرم والأريحية والشجاعة الأدبيّة