وما لَفّ لِفّ هذه المعاني الكريمة مما انبعثت له قرائح فحول شعراء الإسلام، أمثال أبي تمام، فأنطقتهم بالمأثورِ من الشعر الفخم، وامتدحوا به هذا الرجل العظيم، فقال أبو تمام:
وما سافَرْتُ في الآفاقِ إلا ... ومِن جَدْواكَ رَاحِلَتي وزادي
قال علي الرازي: رأيت أبا تمّام عند ابن أبي دُواد ومعه رجلٌ يُنشد عنه قصيدةً منها هذان البيتان، فلما أنشدهما قال ابن أبي دُواد لأبي تمام: هذا المعنى تفرّدت به أم أخذْتَه؟ فقال: هو لي، وقد ألممت فيه بقول أبي نواس:
أَرَأَيْتَ أَيَّ سوالِفٍ وخُدُودِ ... عَنَّتْ لنا بين اللِّوى وزَرُودِ
وفيها الأبيات الثلاثة البديعة في الحسد:
وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فضِيلَةٍ ... طُوِيَتْ أتاحَ لها لسانَ حَسودِ
لولا اشْتعالُ النارِ فيما جاوَرَتْ ... ما كانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ
لولا التَّخَوُّفُ لِلعواقِبِ لم تزلْ ... للحاسِدِ النُّعمَى على المحْسُودِ
ودخل أبو تمام عليه يوماً، وقد طالت أيامُه في الوقوف ببابه ولا يصل إليه، ولما وصل قال له ابن أبي دُواد، أحسبك عاتباً يا أبا تمام، فقال أبو تمام: إنّما يُعْتَبُ على واحدٍ وأنت الناسُ جميعاً، فكيف يُعتب عليه! فقال له: من أين لكَ هذا يا أبا تمّام؟ فقال من قول الحاذق - يعني أبا نواس - في الفضل بن الربيع: