للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلَّ مديح شارد، وكلَّ معروفٍ مجهولِ الصاحب. ثمَّ وجدنا هؤلاء بأعيانهم للبخيل على ضدِّ هذه الصفة، وعلى خلاف هذا المذهب: وجدناهم يُبغضونه مرَّة، ويُحقِّرونه مرَّة، ويُبغضون بفضل بغضه ولدَه، ويحتقرون بفضل احتقارهم له رَهْطَه، ويضيفون إليه من نوادر اللؤم ما لم يبلُغْه، ومن غرائب البُخل ما لم يفعله، وحتى ضاعفوا عليه من سوء الثناء بقدر ما ضاعفوا للجواد من حسن الثناء.

وعلى أنَّا لا نجد الجوائحَ إلى أموال الأسخياء، أسرعَ منها إلى أموال البخلاء، ولا رأينا عددَ من افتقر من البخلاء أقلَّ.

والبخيل عند الناس ليس هو الذي يبخل على نفسه فقط، فقد يستحقّ عندهم اسمَ البخيل ويستوجب الذمَّ، من لا يدع لنفسه هَوىً إلا ركبَه، ولا حاجةً إلا قَضاها، ولا شهوةً إلا ركبها

وبلغ فيها غايتَه. وإنّما يقع عليه اسمُ البخيل، إذا كان زاهداً في كل ما أوجب الشكرَ، ونوّه بالذكر، وادّخر الأجر.

وقد يُعَلِّق البخيلُ على نفسِه من المُؤن، ويُلْزِمها من الكُلَف، ويتخذ من الجواري والخدم، ومن الدوابِّ والحشم، ومن الآنية العجيبة، ومن البِزَّة الفاخرة. والشّارة الحسنة، ما يُربي على نفقة السخيِّ المثري ويَضْعف على جودِ الجوادِ الكريمِ فيذهب مالُه وهو مذمومٌ، ويتغيَّر