للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّهم أقلُّ توكّلاً، وأسوأ بالله ظنّاً. والجوادُ إمّا أن يكونَ متوكّلاً، وإما أن يكون أحْسنَ بالله ظنّاً، وهو على كل حال بالمتوكّل أشبهُ، وإلى ما أشبهه أنزعُ، وكيفما دار أمرُه، فليس ممن يتّكل على حزمِه، ويلجأ إلى كَيْسِه ويرجع إلى جودة احتياطه وشدّة احتراسه.

واعتلال البخيل بالحدثانِ، وسوء الظنّ بتقلّبِ الزمانِ، إنّما هو كنايةٌ عن سوء الظنّ بخالق الحَدثانِ، وبالذي يحدث الأزمانَ وأهلَ الزمانِ. ولا تجري الأحداثُ إلا على تقديرِ المُحْدِث لها؟ وهل تختلف الأزمنة إلا على تصريفِ من دبّرها؟ أولسنا وإن جهلنا أسبابَها فقد أيقنّا بأنها تجري إلى غاياتها؟

والدليلُ على أنّه ليس بهم خوفُ الفقر، وأنّ الجمع والمنعَ إمّا أن يكون عادةً منهم، أو طبيعةً فيهم، أنك قد تجد المَلِكَ بخيلاً، ومملكتُه أوسع، وخرجُه أدرُّ، وعدوُّه أسكنُ وقد علمنا أن الزنج أقصرُ الناس مِرّةً ورويّةً وأذهلُهم عن معرفة العاقبة: فلو كان سخاؤهم إنّما هو لكَلالِ حدّهم،