للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوق قدره، فقد استَوْجبَ الرّدّ، ومن لم يَرْجُ إلا ما هو مُسْتحِقٌّ له، فإلى الرّفْد. . . وقال الشاعر:

إنّكَ إنْ كلَّفْتَني ما لم أُطِقْ ... ساءكَ ما سَرَّكَ مِنِّي من خُلُق

وكانوا لا يرون بأساً بسؤال الملوك وسؤال الابن أباه: فقالوا: مسألةُ الرجلِ السلطانَ، ومسألةُ الابنِ أباه، لا تَنْقُصه ولا تَشينُه:

وإذا ابْتُليتَ ببَذْلِ وَجْهِكَ سائلاً ... فابْذُلْه لِلمُتَكَرِّمِ المِفْضالِ

وقال أبو جعفر المنصور لرجل أحْمَدَ منه أمراً: سَلْ حاجتك فقال: يُبقيك الله يا أمير المؤمنين، قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كل وقتٍ، فقال: ولِمَ يا أمير المؤمنين؟ فوالله، لا أستقصر عمرَك ولا أرهَبُ بخلَك ولا أغتنم مالك، وإن سؤالك لَزَيْن وإن عطاءَكَ لشرفٌ، وما على أحد بَذَلَ وجهَه إليك نقصٌ ولا شينٌ، فأمر حتى مُلِئَ فوه دُرّاً. . . وقال العتّابيُّ: إن طلبت حاجةً إلى ذي سلطانٍ، فأجْمِل في الطلب إليه، وإيّاك والإلحاحَ عليه، فإن إلحاحَك يَكْلُمُ عرضَك، ويريق ماءَ وجهِك، فلا تأخُذْ منه عِوَضاً لما يأخذ منك، ولَعلَّ الإلحاحَ يجمع عليك إخلاقَ ماءِ الوجه وحرمانَ النجاحِ فإنه ربّما ملَّ المطلوبُ إليه حتى يَسْتَخفَّ بالطالب.

ومن قولهم في الحثِّ على الحِذق واللّطافة في المسألة: قال رجل لآخر: لو أنا متُّ ما كنتَ تفعل؟ قال: كنت أكفِّنك وأدْفِنك، قال: فاكسُني الساعةَ بما تكفِّنني به، وإذا متُّ فادفِنّي عُرياناً. . . وقال شاعر:

أحْلُبْ لَبونَكَ إبْساساً وتَمْرِيَةً ... لا يَقطَعُ الدَّرَّ إلا عُنْفُ مُحْتَلِبِهْ

اللبون: الناقة أو الشاة ذات اللبن، والإبساس: أن يَمسحَ ضَرع الناقةِ ويسكِّنَها لتَدِرَّ، ومثله التّمرية، والدرُّ: اللبن،. . . وسأل أعرابيٌّ عبد الملك بن مروان -