لبَيَّنْتُه لك حتّى تَراهُ ... فتعْلَمَ أنِّي امْرُؤٌ شاكِرُ
ولكنّه ساكنٌ في الضَّميرِ ... يُحَرِّكهُ الكَلِمُ السَّائِرُ
وقال عبدُ الله بن الزبير الأسديُّ في عمرِو بن عثمان بن عفان - لما زاره فنظر عمرو فرأى تحت ثيابِه ثوباً رثّاً، فدعا وكيلَه وقال: اقترض لنا مالاً، فقال: هيهات ما يعطينا التُّجّار شيئاً، قال: فأربحهم ما شاؤوا: فاقترض له عشرةَ آلاف فوجّه بها إليه مع تَخْتِ ثياب التَّخْت: وعاء تصان فيه الثياب -:
سأشْكرُ عَمْراً ما تَراخَتْ مَنِيَّتي ... أَيادِيَ لم تُمْنَنْ وإنْ هي جَلَّتِ
فتًى غيرُ مَحْجُوبِ الغِنى عن صديقِه ... ولا مُظْهِرِ الشَّكْوَى إذا النَّعْلُ زَلَّتِ
رأى خَلَّتي من حيثُ يَخْفَى مَكانُها ... فكانَتْ قَذى عَيْنيه حتى تجَلَّتِ
قوله: سأشكر: فالعرب تستعمل السين إذا أرادت تكرارَ الفعل وتأكيدَه ولا تريد التنفّس فيه. ولم تمنن: لم يَتْبعها مَنّ، وإذا النعل زلت: يريد: إذا زلت قدمُه في مزالقِ الدّهر فلا يجد مركباً يقيه مصرعَ السوء ولا متّكأً يعتمد عليه في نهضتِه، والخَلّة: الحاجة، وقوله من حيث يخفى مكانها: أي من حيث لا يدرِكُها لحاظُ غيره، وفكانت قذى عينيه: أبرع كلمة في معنى الاهتمام بالحاجة. . .
وقال ابنُ عنقاءَ الفزاريُّ في عُمَيْلة الفزاريِّ - وكان قد وصله بنصف ماله لَمّا رأى من رثاثةِ حالِه، وكان عُمَيْلةُ غلاماً جميلاً -:
رآني على ما بي عُمَيلةُ فاشْتَكى ... إلى مالِه حالِي أَسَرَّ كما جَهَرْ
دَعاني فآساني ولو ضَنَّ لم أَلُمْ ... على حينَ لا بَدْوٌ يُرجَّى ولا حَضَرْ
غُلامٌ رَماهُ اللهُ بالخيْرِ يافِعاً ... له سِيمَياءُ لا تَشُقُّ على البَصَرْ
كأنّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ في جَبينِه ... وفي خَدِّه الشِّعْرَى وفي وَجْهِه القَمَرْ