للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكثيراً من الفتيات يلقين سُمْرَ جلودِهن. ورأيت كُوماً من أنوفٍ حمراء وأسنانٍ قلحاء وشفاهٍ فلحاء. والعجب العُجاب أنّي رأيت معظمَ الجبلِ مؤلّفاً من عاهاتٍ بدنية. وآفاتٍ جسدية، ثم لمحْتُ من بعيد رجلاً على ظهره حملٌ لم أرَ في سائر الأحمالِ ما يُدانيه عظماً، فأنعمتُ النظرَ فإذا هي حَدْبةٌ، فألقاها - فرحاً بذلك - بين سائرِ البلايا الآدمية. ورأيت كذلك عِللاً وأمْراضاً من كل ضربٍ وصنفٍ، غيرَ أنّي رأيت الوهميَّ من ذلك أكثرَ من الحقيقي وشاهدت بين هذه نوعاً قد ألِّف من جميع الأمراض والعللِ يحمله في الأكفِّ عددٌ عظيم من ذوي النعمة والرفاهية، واسمُ هذا الداء: المللُ، وأعظم عجبي وحيرتي أنّي لم أرَ أحداً قطُّ ألقى بين هذه الآفاتِ والمصائبِ شيئاً مما ابتليت به نفوسُ البشر من الرذائلِ والحماقاتِ والأضاليلِ والنقائصِ والسخافاتِ والأباطيل، فأدهشني ذلك أيَّما دَهَش، إذ كنت قد ظننت أنّها فرصةٌ لا يدعها أحدٌ حتى يطهِّرَ نفسَه من أدرانِ الأهواءِ والشهوات. ويخلصَ طبعَه من أكدارِ العيوب والعورات. ورأيت في الجماعة رجلاً فاسقاً لم أشكَّ في أنّه جاء مُثقلاً بأوزاره وآثامه: فلما أقبلتُ على ما رَماه أفتِّشه ألفيتُ أنّه لم يرمِ شيئاً من تلك الذُّنوب والآثام وإنّما رمى ذاكرته، وتبعه رجلٌ ساقطٌ جاهل، فنظرته فإذا هو قد نبذَ حياءَه لا جهلَه. . . ولمّا فرغَ الناسُ من طرح أثقالهم وفرغت الجِنّيَّةُ النحيلةُ الخفيفةُ من عملها وكانت قد رأت منّي رجلاً ينظر