للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يعمل، دنت منّي، فلم يَرُعْني إلا رفعُها المجهرَ إزاءَ عيني، وكنت أعرف في وجهي القِصَرَ، فإذا هو قد تناهى قِصَراً حتّى عاد أبشعَ شيءٍ، فساءني منظرُه، فألقيتُه كما يُلقى القناع. وكنت قبل ذلك ببرهةٍ أبصرتُ رجلاً رمى بوجهه لِفرْطِ طوله، وكان أطولَ وجهٍ حتى لذقنُه وحدَها تطول وجهي بأكملِه، فاستراح من مصيبتِه واسترحت، واستراحَ الخلقُ طرّاً؛ وأطلِق لكلّ امرئٍ أن يستبدلَ ببلواهُ مِحنةَ غيره.

على أنه لم يبقَ في الجمع إلا متعجبٌ من هذه المِحن كيف عدّها أهلُها محناً وكيف كان قد غُرّ بها وخُدع فيها، فحسِبَها نِعماً وفوائدَ! وبينا نحن نتأمّل خليطَ المصائب، ومزيجَ النّوائب، صدر أمرُ الإله الأكبر أن يستبدلَ كلُّ امرئ بمصابه ويرجِعَ إلى مثواه بحَظّه الجديد، عند ذلك تحرّكت الوهمُ وقسَمت الكثيبَ في أخفِّ نشاطٍ وأكملِ سرعة، فأعطت كُلاً نصيبَه، - وكأنّي باليراع يعجز أن ينعتَ ما حدث إذْ ذاك من هرجٍ ومرجٍ، ثم كانت أمورٌ كثيرة أذكر الآن بعضها:

رمَى شيخٌ كبيرٌ على كثيبِ المصائبِ علَّةً كانت في بطنِه، وكان عاقِراً، يتمنّى ولداً يكون عمادَ شيخوخته ووارثَ ثروتِه، فمدَّ يدَه ليعتاضَ من دائه الذي طرحه فاختطفَ ولداً فاجِراً عاقّاً، كان آفةَ أبٍ له، وكان ذلك الأبُ قد نبذَه في النّبائذِ يريدُ به بديلاً، وقد أخذَ بدلَه مرضَ البطنِ الذي رمى به الرجلُ الأول. فلم تمضِ إلا برهةٌ حتى رأيتُ ذلك الغلامَ قد ثار بالشيخِ الكبيرِ فأخذ بلحيتِه وناصيتِه، وهمَّ أن يفلِقَ رأسَه. فما هو إلا أن أبصرَ الأبَ