للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه هائمات. ولست ناسياً ذكر شأني وشأن ذي الوجهِ الطويل، فإنّ ذلك الرفيق ما كاد يأخذ وجهي القصير حتى أضحى فيه أعجوبةَ الأعاجيب، فاستلقيت ضاحكاً من وجهي حتى أخجلتُ وجهي، وأدرك الرجلُ المسكين خطيئتَه وعرف غلطتَه، فخجل وأستحيى، غير أني ما لبثت أن فِئْتُ إلى نفسي فعلمت أنه ليس لي أن أُزهى وأختال وأسخر من الغيرِ وأنا سُخْرةٌ، وأضحك منهم وأنا ضُحْكة، وإن لي في غرابة هيئتي لشغلاً عن اللهو بهيئاتِ الناس ومندوحةً، وذلك، أيّها القارئ، أنّي رفعت يديَّ أريد جبهتي فلم تقع لطول وجهي إلا على الشفةِ العليا، وكذلك بينا أنا أجيلُ يدي في وجهي أريد إحدى عيني صكّت يدي أنفي، لبروزه وضخامته، مراراً.

ثم نظرت ناحيةً منّي فأبصرت رَجلين في مثلِ حالنا من السُّخرية قد أحدثا تبادلاً في زوجين من الأرجل، زوج غليظ أعوج قصير، وزوج طويل نحيل، فكان صاحب الرجلين النحيلتين كأنّما قد رُفع في الهواء على عَمودي بيت، فهامتُه تدور مع الريح حيثما دارت، وأما صاحبُ الرجلين العوجاوين القصيرتين فكلّما حاول السيرَ دار في مكانه لا يبرحه. ولما رأيتُ على محيّاه سيما الحِلم والظُّرْف والفكاهة أقبلت عليه أمازحه فقلت له: سأجعل لك كذا وكذا إن استطعت أن تبلغَ هذا، ورسمت له خطاً على مسافة ذراعين من مُرسى قدميه، في مدّة نصف ساعة.

وأخيراً تم توزيعُ كثيبِ المِحَنِ والآفاتِ على أهلها، من ذكرٍ وأنثى.