للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكأنّا نحنُ أعنّا الموتَ على أنفُسِنا.

وقال علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: مالكَ من عَيْشِك إلا لَذَّةٌ تَزْدَلِفُ بك إلى حِمامِك وتقرِّبُك من يومِك، فأيَّةُ أكلةٍ ليس معها غصصٌ أو شَرْبةٍ ليس معها شَرَق! فتأمّل أمْرَك فكأنّك قد صِرْتَ الحبيبَ المفقودَ والخيالَ المُخْتَرمَ، أهلُ الدُّنيا أهلُ سَفَرٍ لا يَحُلّون عقدَ رِحالِهم إلا في غيرِها قوله: تَزْدَلِفُ بك إلى حِمامك: أي تقرِّبك إلى موتِك، والمُخْتَرم المُسْتأصَل والمُقْتَطَع.

وقال حكيم: مَنْ ذا الذي يَبْني على موجِ البَحْرِ داراً! تِلكُمُ الدُّنيا، فلا تتَّخِذوها قَراراً. . . وقيل لبعض الرُّهبان: كيف ترى الدَّهرَ؟ قال: يُخْلِقُ الأبدانَ، ويجدِّد الآمالَ، ويقرِّب المنيّة، ويباعدُ الأمنيّة، قيل: فما حالُ أهلِه؟ قال: مَنْ ظَفِرَ به تَعِب، ومن فاتَه اكْتأبَ، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

ومَنْ يَحْمَدِ الدُّنيا لِعَيْشٍ يَسُرُّهُ ... فسَوْف لعَمْري عن قليلٍ يَلومُها

إذا أدْبَرَتْ كانَتْ على المَرْءِ حَسْرَةً ... وإنْ أقبلَتْ كانَتْ كثيراً همومُها

قال حكيم: مِن عَيب الدُّنيا أنها لا تعطي أحداً ما يستحقّ، إمّا أن تَزيدَ له وإمّا أنْ تَنقص. . . وقال أبو العتاهية:

تَعالى اللهُ يا سَلْمُ بنَ عمْروٍ ... أذَلَّ الحِرْصُ أعناقَ الرِّجالِ

هَبِ الدُّنْيا تُسَاقُ إليْكَ عَفْواً ... ألَيْسَ مَصيرُ ذاكَ إلى الزَّوالِ

وما دُنْيَاكَ إلا مِثْلُ فَيْءٍ ... أظَلَّكَ ثُمَّ آذَنَ بِانْتِقالِ

ولنجتزئ بهذا المقدار فعبقرياتهم في الدُّنيا لا يكاد يبلغُها الإحصاء.