انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاماً فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك على عادته، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكَه إساءته، فقال له الملك:
ادن منّي، فدنا منه ووضع يده على فيه، مخافةَ أن يشمَّ الملكُ منه رائحة الثوم فقال الملك في نفسه: ما أرى فلاناً إلا قد صَدق، وكان الملك لا يكتب بخطّه إلا بجائزة أو صلة، فكتب له كتاباً بخطّه إلى عامل من عمّاله: إذا أتاك حامِلُ كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحشُ جِلْدَه تبناً وابعث به إليّ، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سَعا به فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خطَّ الملكُ لي بصلة، فقال: هبْهُ لي، فقال: هو لك، فأخذه ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك: أنْ أذبحَك وأسلخَك، قال: إنَّ الكتاب ليس هو لي، فاللهَ اللهَ في أمري حتى تراجعَ الملك، وقال: ليس لكتاب الملك مراجعة فذبحه وسلخه وحشا جلدَه تبناً وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ فقال: لقيني فلانٌ فاستوهبَه منّي، فوهبته له، قال الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما قُلْتُ ذلك، قال: فلِمَ وضعْتَ يدك على فيك، قال: لأنه أطعمني طعاماً فيه ثوم، فكرهت أن تشمَّه، قال: صدقت، ارجع إلى مكانك فقد كُفي المسيءُ إساءته. . . . ومثل هذه الحكايات كثير ويصحُّ أن توضع في باب السّعاية والمكر، وعاقبة الماكرين.
وبعد فإنّ ما نورده ههنا من عبقرياتهم في الحسد والحقد وما إليهما إنما هو قليلٌ من كثيرٍ تراه في باب الطبائع وإنّما ما نورد من هذه العبقريات لنستوفي بابَ العداوات